أن صفة البخل التي وصف بها ابن الزبير كانت بسبب سياسته المالية المتشددة، ذلك أن ابن الزبير كان يتأسى بالخلفاء الراشدين وينظر إلى ما بيده من مال أنه ليس ملكًا له وإنما هو للمسلمين، ومن ثمّ لا ينفقه إلا في وجوهه الشرعية (?) فالذين عاشوا في ذلك العصر ورأوا سياسة ابن الزبير المتشددة وقارنوها بسياسة الأمويين في الإنفاق لكسب الأنصار والمؤيدين والشعراء، اتهم بعضهم ابن الزبير بالبخل، وهذه الآثار تدل على كرم وجود ابن الزبير - رضي الله عنه - وحرصه على أموال المسلمين:
أ- شهادة السيدة عائشة في كرم ابن الزبير: قالت عائشة بنت طلحة: خرجت مع أم المؤمنين عائشة - وهي خالة عائشة بنت طلحة - فبينما نحن كذلك إذا براجز يقول:
أنشد من كان يعيد الهمّ
يدلني اليوم على ابن أمّ
له أب في باذخ أَشَمّ
وأمه كالبدر ليل تمّ
مقابل الخال كريم العمّ
جرّعه أكؤسه بسمّ
قالت: فلما سمعت أم المؤمنين أبياته دعت به، فقالت له من وراء حجابها: يا عبد الله، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «الدّال على الخير كفاعله». فحاجتك رجل بين يديك، فاسأل عبد الله بن الزبير، فإنه شرطك، فخرج الرجل حتى أدرك عبد الله بن الزبير فحمله على راحلة وصنع إليه معروفًا (?).
ب- شهادة معاوية بن أبى سفيان في ابن الزبير رضي الله عنهم: سمع معاوية - رضي الله عنه - رجلاً وهو يقول:
ابن رقاش ماجد سَمَيْدع
يأتي فيعطى عن يدِ أو يمنع
فقال: ذاك عبد الله بن الزبير (?).
ج- نابغة بنى جعدة وابن الزبير: عن عبد الله بن عروة قال: أقحمت السنة نابغة بنى جعدة فدخل على عبد الله بن الزبير المسجد الحرام فأنشده:
حكيت لنا الصدَّيق لما وليتنا ... وعثمان والفارق فارتاح مُعْدِمُ
وسوَّيت بين الناس في الحق فاستووا ... فعاد صباحًا حَالك اللون مظلم