عتبة أما بعد، فإن معاوية كان عبداً من عباد الله، أكرمه الله واستخلفه، وخوّله ومكّن له، فعاش بقدر، ومات بأجل فرحمه الله، فقد عاش محموداً، ومات براً تقياً والسلام (?). ونظراً لتساهل الوليد بن عتبة بن أبي سفيان في أخذ البيعة من الحسين وابن الزبير لأنه كان رجلاً يحب العافية (?)، وأنه كان رجلاً رفيقاً سرياً كريماً (?)، كما أنه كان يخشى عذاب الله وعقابه، فقد امتنع عن سجن الحسين أو قتله وقال: ... والله ما أحب أن لي ما طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا وملكها وإني قتلت حسيناً سبحان الله! اقتل حسيناً أن قال: لا أبايع؟ والله إني لا أظن أمراً يحاسب بدم الحسين لخفيف الميزان عند الله يوم القيامة. فقال مروان: فإذا كان هذا رأيك فقد أصبت فيما صنعت (?).

كان إصرار يزيد على طلب البيعة من الحسين وابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ هو الشرارة الأولى في الفتنة التي اندلعت بين المسلمين فقد شعر كل منهما بأنه مطلوب، وأنه إذا لم يبايع فسيكون ضحية طيش يزيد، وأن سيوف أعوان الخليفة الجديد أصبحت مسلولة عليهم، فعادا إلى البيت الحرام، ولجآ إلى مكة المكرمة يطلبان فيها الأمان، ويحتميان بحمى الله فيها، ولئن أصاب يزيد حين أبقى عمال أبيه على الولايات، ليضمن استقرار الأمور فيها، فقد خانته عبقريته في إصراره على طلب البيعة من الحسين وابن الزبير، حيث كان إصراره هذا موحياً بعدم تأمين الحياة لهما، وبأن بقاءهما في عهد يزيد محفوف بالمخاطر، وذلك أدى بهما إلى أن يبحثا عن الأمان، ولم يجداه إلا في تجييش أنصارهما، وحشدهم في مكان يصعب على يزيد وأعوانه أن يقتحموه وكان ذلك في مكة المكرمة، في جوار بيت الله الذي قال فيه: ((وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ً)) (آل عمران، الآية: 97). ولم يكن لهذا التجمع وذلك الحشد نتيجة سوى المواجهة التي أودت بحياة الآلاف من المسلمين، وكان على رأس هؤلاء جميعاً الحسين بن علي ـ رضي الله عنهما ـ حيث قتل في كربلاء ـ شهيداً ـ على يد فئة ظالمة من جيوش يزيد (?).

لقد كانت غلطة من يزيد، بدأ بها حياته، وظلت تلاحقه حتى مماته، ولم يستطع التخلص منها، وبدأت سلسلة الأخطاء تتوالى في حياة الخليفة، وكلما أدلهمت الأمور من حوله، عظمت الأخطاء، وتضخمت المشكلات، وكلما أراد حل مشكلة، عرض لها بمشكلة أخطر منها وأفظع، فمن الإصرار على عدم البيعة إلى تكوين جبهة معارضة تستعد للقتال، ومنها إلى معركة كربلاء، ثم تتمخض هذه المعركة عن قتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتؤدي إلى غضب المسلمين، وإعلان ابن الزبير الخروج على الخليفة، وتستمر العداوة والبغضاء حتى تكون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015