وليت الأمر من بعده ولست آسى على طلب، ولا أعتذر من تفريط، وإذا أراد الله شيئاً كان وقال لهم في خطبته هذه: إن معاوية كان يغزيكم في البحر، وإني لست حاملاً أحداً من المسلمين في البحر، وإن معاوية كان يشتيكم بأرض الروم، ولست مشتياً أحداً بأرض الروم، وإن معاويةكان يخرج لكم العطاء أثلاثاً، وأنا أجمعه لكم كله: فافترق الناس، وهم لا يفضلون عليه أحد (?).
وفي هذه الخطبة شرح يزيد سياسته في قيادة الأمة، ووضح خطته التي سيلتزمها أثناء خلافته، وهي سياسة استطاع أن يكسب بها قلوب أهل الشام. وقد أجمعت ـ غالبية ـ الأمة على بيعة يزيد أو بمعنى آخر جددت له البيعة بعد وفاة أبيه ولم يبايع إلا الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما (?). وسيكون لكل منهما مع يزيد شأن ـ كما سنرى بإذن الله تعالى ـ أما بقية الصحابة فقد بايعوا يزيد جمعاً للكلمة وحفظاً لوحدة الأمة وخوف الفتنة، مثل عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، ومحمد بن الحنفية (?)، أما أهل الشام والعراق وغيرها من الأقاليم فقد بايعوا وكانت المعارضة ليزيد في أهل الحجاز يتزعهما الحسين بن علي وابن الزبير، ومما قيل من الشعر في بيعة يزيد ما قاله عبد الله بن همَّام يعزِّيه في أبيه:
أصبر يزيد أعظم فقد فارقت ذا مقة (?)
واشكر حُباء الذي بالملك حاباكا
لا رُزءَ أعظم في الأقوام نعلمه
كما رُزِئت ولا عُفبى كعُقباكا
أصبحت راعى أهل الدِّين كلهم
فأنت ترعاهم والله يَرْعاك
وفي معاوية الباقي لنا خلف
إذا نعيت ولا نسمع بمنعاك
يعني معاوية بن يزيد (?)
تولى يزيد الأمر بعد أبيه في رجب سنة 60 هـ - 680م فأقر عمال أبيه على ولاياتهم، فكان على المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وأمير مكة عمرو بن سعيد بن العاص، وأمير الكوفة النعمان بن بشير وأمير البصرة عبد الله بن زياد (?)، وركز يزيد في أخذ البيعة من النفر الذين لم يبايعوه في حياة أبيه وكان أهمهم عنده الحسين بن علي، فكتب إلى أميرها الوليد بن عتبة كتاباً يخبره فيه بوفاة معاوية فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، من يزيد أمير المؤمنين إلى الوليد بن