أنصع منجزاتهم وأحراها بالفخر والإعزاز، ومما شك فيه إسلامية الفتوح في العهد الأموي (?)، وقد كانت الحصيلة النهائية والحصيلة التاريخية لحركة الفتوح لذلك العصر، امتداد عالم الإسلام إلى آفاق بعيدة وكسب ـ عبر امتداده هذا ـ الأرض والإنسان، كما أنه حمى وعزّز في الوقت نفسه منجزات الموجة الأولى في حركة الفتح التي قادها وخطط لها الخلفاء الراشدون، فالموجة الثانية لحركة الفتوح هي التي بدأت في عهد معاوية نفسه واستمرت فيما بعد لكي تبلغ أقصى اتساعها في عهد الوليد (?).

المبحث الأول: حركة الجهاد ضد الدولة البيزنطية:

كان معاوية رضي الله عنه يرى أن الخطر الأكبر من وجهة نظره الدولة البيزنطية، وإن كانت قد خسرت أهم أقاليمها في الشرق ـ الشام ومصر ـ إلا أن جسم الدولة لا زال سليماً لم يمس، فعاصمتها باقية، وممتلكاتها في آسيا الصغرى وأوربا وشمال إفريقيا لا زالت شاسعة وإمكانياتها كبيرة، وقدرتها على المقاومة هائلة، وهي لم تكف بعد عن مناوأة المسلمين، وباختصار فهي العدو الرئيسي والخطر الأكبر الماثل أمام المسلمين، وكان معاوية رجل المرحلة وقادراً على فهم وتقدير هذا الخطر، وعلى مواجهته، أيضا، فقد كان موجوداً بالشام منذ مطلع الفتوحات في عهد أبي بكر الصديق، وأصبح والياً عليه ولمدة عشرين سنة تقريباً، وهو يشكل مع مصر خط المواجهة الرئيسي مع الدولة البيزنطية، فطول إقامة معاوية رضي الله عنه بالشام، أكسبته خبرة واسعة بأحوال البيزنطيين وسياستهم وأهدافهم مما أعانه على أن يعرف كيف يتعامل معهم، لكل ذلك فليس غريباً أن نرى معاوية يولي حدوده مع الدولة البيزنطية وعلاقاته معها جل اهتمامه ويرسم لنفسه نحوها سياسة واضحة ثابتة سار عليها هو وخلفاؤه من الأمويين إلى نهاية دولتهم، وقد كان من أهدافه الرئيسة الاستيلاء على عاصمتهم القسطنطينية (?).

أولاً: معاوية والقسطنطينية:

بعد أن أستقر الأمر لمعاوية بن أبي سفيان سنة 41 هـ خليفة للمسلمين باشر في تطوير الأسطول البحري ليكون قادراً على دك معاقل القسطنطينية عاصمة الروم ومبعث العدوان والخطر الدائم ضد المسلمين، فبعد أن قضى معاوية على حركات المردة أو الجراجمة الذين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015