وأن لا يجالس أصحاب اللهو والأهداف الدنيوية فإن هؤلاء وإن أنس بكلامهم وثنائهم فإنهم يحولون بينه وبين التفكير في الأمور الجادة، فلا يستفيق بعد ذلك إلا والنكبات قد حلت به وبمن ولي أمورهم.
_ ... أن يصدق القائد في لقاء الأعداء وأن لا يجبن، فإن جُبنه يسري على جنده فيقع بذلك الفشل والهزيمة، وفي غير الحرب أن يكون المسئول شجاعاً في مواجهة المواقف، وأن لا يضعف فيسري ضعفه على من هم تحت إدارته من العاملين، فيقل بذلك مستوى الأداء ويضعف الإنتاج.
_ ... أن يتجنب القائد الغلول، وهو الأخذ من الغنيمة قبل قسمتها هذا في مجال الحرب، وفي مجالات السلم أن يتجنب المسئول أية استفادة دنيوية من علمه لا تحل له شرعاً، مثل أخذ الهدايا التي يقصد لها دفعها الاستفادة من المسئول في مجانبة الحق، فإن ذلك من الغلول، والغلول كما جاء في هذه الوصية يقرب إلى الفقر، ويدفع النصر.
_ ... ومن هذه الفوائد تبين لنا عظمة الوصية التي أوصى بها أبو بكر رضي الله عنه أحد قواده، وهي تبين لنا أنه كان يعيش بفكره مع قضايا المسلمين وأنه كان يتصور ما قد يواجهه قواده فيحاول تزويدهم بما ينفعهم في تلافي الوقوع في المشكلات، وحلها إذا وقعت، وهذه الوصية وأمثالها تسجِّل إضافة جديدة لمواقف أبي بكر المتعددة (?)، وجاء في رواية أن أبا بكر رضي الله عنه لم ينس اللمسات الإنسانية في وصيته لجيش يزيد حيث وصاه بدستور المسلمين للحرب المكون من عشرة نقاط تجسد إنسانية الحضارة الإسلامية وروحها المفعمة بالرحمة، والشفقة، وقد جاءت هذه الوصية على شكل مقتبس من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قال: أيها الناس: قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عني: لا تخونوا، ولا تغلوا، ولا تفسدوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً ولا شيخاً كبيراً، ولا إمرأة، ولا تقعروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة، ولا بعيراً إلا لأكله، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع، فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له .. اندفعوا باسم الله (?). وقد استفاد منها يزيد بن أبي سفيان غاية الاستفادة، ولما فتح الشام، في عهد عمر ولّى الفاروق يزيد فلسطين وناحيتها، ثم لما مات أبو عبيدة استخلف معاذ بن جبل، فلما مات معاذ بن جبل استخلف يزيد بن أبي سفيان، ثم مات يزيد فاستخلف أخاه معاوية، وكان موت هؤلاء كلهم في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة: وقيل: مات يزيد