لم يكن مروان بن محمد يتبادل الثقة الكاملة بينه وبين رجاله، ولا المحبة المتبادلة،
لأنه كان " ظالماً " (?) " صارماً " (?) وكان يغرى بين القبائل ويُغضب بين العشائر، واصطفى قيس عيلان وانحرف عن اليمن وباداها العداوة، فصارت عليه إلباً، وعليه حرباً (?)، لهذا تخلى عنه رجاله في أحرج الأوقات والظروف: في معركة الزّاب الحاسمة ولم يقاتل ولاته على المدن والأمصار كما ينبغي، بل استسلموا دون مقاومة تذكر لجيش بني العباس (?) وربما كان هذا سبب الاختراق الكبير للدعوة العباسية للجيش الأموي من خلال خلايا التنظيم العباسي.
لقد كان الناس يهابون مروان ويخافونه خوفاً شديداً حين كان في السلطة قوياً، لأنه كان ظالماً لا يبالي بالقتل والصَّلْب، حتى لقد صَلَب الموتى والقتلى أيضاً، كما جرى في معركة حمص عندما نكث أهلها، فقد صلب خمسمائة من القتلى حول المدينة وهدم قسماً من سور المدينة (?)، انتقاماً من أهلها، وبالغ في القتل جعلت القلوب التي حوله تتغير عليه سراً وتظهر له الولاء علناً، أما الذين كانوا مع الأعداء فقد قاتلوه بعنف وشَّدة، لأنه صدع قلوبهم بالظلم والتعصّب والانتقام، ولكن حين أصبح ضعيفاً، وبدت بوادر انهيار سلطته، خلع الناس عنهم لباس الخوف، وكشفوا له ولأعوانه نياتهم، فهؤلاء الذين بقوا حول مروان مضطرين اضطراراً، ولم يستطيعوا التخليّ عنه نظراً لظروفهم الخاصة أو لأسباب قاهرة، وهم أهل الشام، أقرب المقربين إلى بني أمية وحماة دولتهم وقاعدتهم الأمينة، بذلوا قصارى جهدهم للتخلص من مروان، فقدم جنودهم إلى سليمان بن هشام بن عبد الملك بن مروان، وكان في جيش مروان فاتصلوا به سّراً وحّسنوا له خلع مروان وشجعوه عليه وقالوا له: أنت أرضى عند الناس من مروان وأولى بالخلافة. فأجابهم إلى ذلك، فسار بإخوانه ومواليه معهم فعسكر بقنسّرين، وكاتب أهل الشام، فأتوه من كلَّ وجه (?). وبلغت درجة بغض مروان من أبناء شعبه، أنّ قسماً من بني أمية لجاوا إلى أعدائه وقاتلوه إلى جانبهم، حتى أن قسماً منهم لم يتورّع إلى اللجوء للخوراج والصَّلاة خلفهم والقتال إلى جانبهم، لا محبة بهم بل كرهاً لمروان، والقائد الذي لا يحبّه رجاله ولا يثقون به لا يمكن أن ينتصر أبداً، ولعلّ مروان وما حاق به يكون عبرة للمعتبرين (?).