الاستثناء، وكلما طالت الحرب زاد التذمر وضعف الضبط، ولعل من أسبابه الدعوة السّرية للعباسيين التي استمالت إلى جانبها كثيراً من الناس، وأصبح معتنقوا هذه الدعوة رَتَلاَ خامساً بين صفوف جيش الحكومة ومكاتبها وبين أفراد الشعب، يثيرون الإشاعات، ويثبَّطون العزائم، وينشرون الفوضى والارتباك ومن مظاهره ما حدث من اقتتال بين جيش الدولة والخارجين عليها في الحجاز واليمن، مما أدى إلى ارتباك مواسم الحج ارتباكاً شديداً وأما في خُراسان والمشرق الإسلامي، فقد كانت سلطة الدولة في إجازة طويلة وكلّ هذا الانحلال، أدى إلى ترديّ معنويات جيش الدولة وإلى انهيار الضبط فيه، وتجلى هذا الانحلال في الضبط، ما ظهر في معركة الزّاب الحاسمة، فما أصدر مروان أمراً إلى قوّاته المحاربة إلا ولم ينُفّذ أمره باستهتار عجيب وبلغ العصيان حّداً في تلك المعركة الحاسمة لم يبلغه في معركة أخرى، فالقبائل رفضت تنفيذ أوامر مروان دون استثناء، حتى الرجل الذي كان على شرطته، عصى أوامره عصيانا فاضحاً، والمفروض أنَّ مثل هذا الرجّل من أقرب المقربين إلى الخليفة ومن أخلص المخلصين له، ولكنه آثر العافية على الخطر، كأنه كان واثقاً بأن الهزيمة النكراء ستحل بمروان وشيكاً والجيش الذي يصاب بانحلال الضبط وانهيار المعنويات لا ينتصر أبداً والدولة التي تفقد هيبتها لا يمكن أن تبقى أبداً (?).
حشد مروان بن محمد جيشه في الزاب لخوض معركته الحاسمة، وكان من حقَّه وواجبه أن يحشد كلّ القادرين على حمل السلاح من أنصاره لخوض تلك المعركة الحاسمة ولكنه كان عليه أن يفكرَّ في معارك أخرى، يقاوم بها بالعمق أنصار العباسيين، فإذا انهزم في معركة الزّاب، فينبغي أن يخوض معارك أخرى في حلب ودمشق وفلسطين وفي مصر، ويفكر بإعداد قوّات احتياطية، تدافع عن الدولة في معارك متعاقبة، وألاّ ينتهي في معركة واحدة كما حدث ثم يصبح بعد هزيمته شريداً طريداً، ليست لديه قوات احتياطية تدافع عنه وعن الدولة كما ينبغي والظاهر أنّ مروان لم يفكر بإعداد قوّات احتياطية، تقاتل في حالة هزيمته في لقائه الأول والأخير، ولهذا كانت معركة الزاب هي معركته الأولى والأخيرة، ثم انتهى أمره وأمر الدولة بعد الهزيمة، وأصبح همّه الحفاظ على حياته كأيَّ إنسان، يهرب من بلد إلى آخر، وقوّات العباسيين تطارده إلى أن استطاعت قتله في الصعيد من أرض مصر، فانتهى خليفة وانتهت دولة الأمويين إنّ إهمال إعداد قوات احتياطية خطأ فاحش لا يُغتفر لمروان، دفع ثمنه حياته ومصير دولته (?).