لو إن أهل الشام وقفوا كلهم متحدين متكاثفين إلى جانب مروان لاستطاع الانتصار على العباسيين بالرغم من المناداة بأبي العباس خليفة في الكوفة، ذلك أن الوضع كان لا يزال حرجاً بالنسبة إليهم، وكان خذلان أهل الشام ولا سيما القبائل اليمانية والقضاعية لمروان في معركة الزاب كان عاملاً هاماً من العوامل التي أدّت إلى هزيمته، إن ما مرّ بنا من روايات في معركة الزاب وغيرها، تُشير إلى أمر بالغ الأهمية وهو دور الشعب في دعم حكم أو خذلانه، فقد لعب أهل الشام الدور الأكبر في دعم حكم بني أمية وفي خذلانه، فهم الذين وقفوا إلى جانب معاوية بن أبي سفيان ويزيد بن معاوية وعبد الملك بن مروان، وهم الذين خذلوا مروان بن محمد، ويعود ذلك إلى فهم معاوية ومعظم خلفاء بني أمية لنفسية أهل الشام، بينما كان مروان بعيداً عنهم وأقرب إلى أهل الجزيرة.
إن السياسي الحقيقي الماهر يستطيع أن يقيد الناس بسلاسل أقوى من الحديد عن طريق أفكارهم هم أنفسهم (?).
أخذت الدعوة العباسية بأسباب النجاح المادية والمعنوية، من قيادة حكيمة، ووضوح المنهج، وإعداد الأفراد ومحاربة أسباب الفرقة، والأخذ بأصول الاجتماع والاتحاد والوحدة، والتفرغ للمشروع العباسي، وتقسيم الأدوار، والتخطيط السليم، والإدارة الناجحة، والتنظيم المحكم، والدعم الاقتصادي، والدعاية الإعلامية، والحيطة والحذر من الأعداء وغير ذلك من الأسباب التي تمّ بيانها وشرحها وظهرت هذه الدعوة في الوقت المناسب في وقت كان يجري فيه تفاعل في الدولة الأموية، تفاعل شديد قلبها رأساً على عقب، فأخذتها الثورة العباسية على حين غرّة، فلم تعمد أمام المفاجأة في ساعة كانت أحرج ساعة في تاريخها، فسقطت سقوطها المريع (?) وكان يمكن أن تستمر دولة بني أمية لولا وجود الدعوة العباسية التي كانت تخطط للوصول إلى الحكم، واستغلت هذه الظروف للإطاحة ببني أمية (?).
هذه هي أهم أسباب سقوط الدولة الأموية وهي متداخلة ومتشابكة يؤثر كل منها في الآخر تأثيراً عكسياً فالسب السياسي يؤثر في العامل الاقتصادي، ويتأثر به وهكذا ودراسة أسباب سقوط الدول وعوامل بنائها من الأمور المهمة التي تحتاجها الأمة في مشروعها الحضاري المنتظر لقيادة الإنسانية بالمنهج الرباني وتحقيق أستاذية العالم لهذه الأمة المجيدة.