هذه الأشياء مهما كثرت، وما أغلى السيف إذا جُرَّد ولو أعيد إلى غمده بعد قليل (?). وقد رأينا كيف فعل معاوية مع خصومه في بذل الأموال وحسن السياسة لكسبهم أو تحييدهم أو دفع أخطارهم عن دولته (?) وكان شعاره إلا أضع لساني حيث يكفيني مالي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، فإذا لم أجد من السيف بداً ركبته (?). عيب مروان كان في طبيعته كقائد حربي من الطراز الأول ولعله هنا يكمن عذره، رغم أن هذا العيب قد هَّد أركان الدولة أخيراً، ولم تعدله العبقرية العسكرية الفذة (?).
إن شؤم البدعة خطر على الأمة والشعوب والدول والأفراد والجماعات ومن يدرس تاريخ هذه الأمة والاتجاهات البدعية التي ظهرت يجد أثرها السلبي على الدولة الإسلامية كلها يقول ابن تيمية عن أسباب سقوط الدولة الأموية: إن دولة بني أمية كان انقراضها بسبب هذا الجعد المعطل وغيره من الأسباب، التي أوجبت إدبارها، وفي آخر دولتهم ظهر الجهم بن صفوان بخراسان (?).
وقال: وهذا الجعد إليه ينسب مروان بن محمد الجعدي آخر خلفاء بني أمية، وكان شؤمه عاد عليه حتى زالت الدولة، فإنه إذا ظهرت البدع التي تخالف دين الرسول صلى الله عليه وسلم انتقم الله ممن خالف الرسل، وانتصر لهم (?). وهذا التفسير الإسلامي لأحداث التاريخ الإسلامي يخالف ما درج عليه جملة من المؤرخين الذي لا يفسرون أحداث التاريخ إلا بأسباب مادية بحتة وهو من العمل الذي لا يفقهه إلا أهل الإيمان (?). وقد وصف الدكتور يوسف العش المجتمع الجديد الذي نقل إليه مروان بن محمد العاصمة فقال: ... ولم يقتصر التغير على إحداث هذا المجتمع وعلى تكوينه تكويناً جديداً، بل اتخذ هذا المجتمع كياناً خاصاً وأفكار جديدة، فأصبح يقول بمذهب الجعد بن درهم الذي نسب إليه مروان وتأدب على يديه (?).
انهار الضبط في الجيش الأموي وفي الدولة، فلا الجنود ينفَّذون أوامر القائد، ولا الناس يخضعون للسلطة، ولعّل من أسباب انحلال الضبط وانهياره حرب الاستنزاف بين جيش الدولة وبين أعداء الدولة التي طالت كثيراً، فأصبحت الحرب هي القاعدة والسّلام هو