العراق مر بالرصافة فدعا سليمان ابن هشام للتمرد، فاستجاب، وخلع مروان سنة 127 هـ، ويتجلى هذا الخطأ حين نعرف أن فترة قصيرة جداً كانت تفصل بين تمرد هذا الجيش وتوجيهه إلى العراق، وأن هذا الجيش قد أرسل إلى العراق دون قيادة تميل إلى مروان، فهل يعقل ان ينقلب متمردون مسلحون من أعداء للخليفة إلى مدافعين عنه بين ليلة وضحاها؟ بل ماذا ينتظر من هذا الجيش غير التمرد مجدداً كما تمرد من قبل وكان (?)،
ولقد سبق لعبد الملك بن مروان أن واجه أخطارً مما جابهت مروان بن محمد، فالروم من جهة، وعبد الله بن الزبير، والخوارج، وأهل قرقيسيا والقيسية من جهة أخرى، وحركة التوابين، ورجل من البيت الأموي، يحتل دمشق ويعلن عزل عبد الملك ويتمرد عليه وهو عمرو بن سعيد بن العاص، فاستخدم عبد الملك المال والسياسة حتى لا يتحركوا ضده في وقت واحد - وقد مّر معنا تفصيل ذلك في حديثنا عن عهد عبد الملك - وقد قام عبد الملك بالتالي، فالروم لهم الجزية يؤديها عبد الملك وعمرو بن سعيد له العودة السريعة إلى دمشق، والقتل بيد عبد الملك نفسه، وأمير قرقيسيا له الصلح والمال الوفير وأما الخوارج وابن الزبير فلهم الانتظار حتى ينتهي القتال الدائر بينهم، حتى إذا انتهى بظفر فريق بعد إنهاك قوته انقض عليه عبد الملك بجيش مستريح مستعد للقتال، كان عبد الملك يعرض الأمان لأعدائه ويستميل قوادهم بشتى الوسائل، كل هذه المواقف تدل على مدى مرونة شخصية عبد الملك ودهائه، وحسن سياسته ومراعاته للظروف، إذ لكل داء دواء، أين سياسة عبد الملك المرنة في مجابهة الأعداء من سياسة مروان؟ لقد كان حرياً بمروان أن يحتذي خطوات عبد الملك ولو فعل لفتت خصومه واحداً بعد الآخر، ولكنه لم يفعل، فاتحد هؤلاء، وتكاتفوا ووضعوا أمامهم هدفاً واحداً هو إبادة مروان والدولة الأموية وقد وُفقوا وحققوا الهدف، وعذر مروان، فيما نرى يعود إلى طبيعته، كقائد عسكري أكثر من سياسي يرأس دولة تعج بالفتن والأعداء، في كل الأخطاء التي ذكرناها نلمح شخصية مروان المعتدة بذاتها، وبقدراتها المستهينة بكل عدو، المستهينة بكل خطر، وكأن مروان يقول في نفسه: ماذا يصنع ثابت بن
نعيم؟ وماذا يفعل سليمان بن هشام؟ ... أنا لهما بالمرصاد، وهما دوني بكثير، حركة واحدة مني تقضي عليهما، وماذا يصنع عشرة آلاف جندي كانوا تمردوا قبلاً إذا أرسلوا إلى حرب الخوارج؟ تلك هي نفسية مستعلية عنيفة (?) عيب مروان أنه يبدأ عدوه بالسيف، فإذا خرج متمرد في مكان جرد له جيشاً ربما قادة بنفسه، وكثيراً ما فعل مع أن هذا المتمرد في غالب الأحيان ليس بحاجة إلى السيف بل هو بحاجة إلى المال يقبضه، أو ولاية يولاها، أو وظيفة يشغلها وما أرخص