إن مروان بن محمد أضاع ثقة أهل الشام في الأمويين وذلك من الأخطأ التي قلبت دولتهم، فبنوأ أمية أقاموا حكمهم في الشام وعلى أهل الشام، وأهل الشام هم الذين كانوا يمسكون بقواعد الحكم الأموي ويثبتوتها. ولقد ناصروا بني أمية في كل المواقع وكانوا السبب في كثير من انتصاراتهم ضد خصومهم، وكانوا إياهم بداً واحدة على نوائب الدهر، وأقوى أهل الشام قبائل بني كلب التي كانت تقطن هذه المنطقة وتكثر فيها. والحق أن معاوية رضي الله عنه بنى حكمه على كلب وتزوج منها - مع استيعابه الكبير لفقه الموازنة بين القبائل - ومروان اعتمد عليها أيضاً، فكسب بها موقعه مرج راهط واستمر خلفائه على صلات حسنة بكلب وإن كانوا يشجعون قيساً في العراق وخراسان. والخطأ الأكبر لبني أمية في عصر يزيد بن عبد الملك أنهم قضوا قضاء مبراً على المهالبة وهم من اليمن، وأساؤوا لكلب وهي من اليمن أيضاً، فأشعروها أنهم ضدها في الشام أيضاً، وجاء مروان بن محمد فنقل العاصمة إلى حِرّان بالجزيرة بين قيس، ففقد ثقة الشام بعد أن فقد كلب. وهذا هو الذي أودي به بالرغم من حسن قيادته وحيله الحربية وقدرته في تسيير الرجال، ولوبقي أهل الشام معه قلباً وقالباً وعلى رأسهم كلب، لقوى بهم ودفع كل المصائب التي جابهته بيسر، ولتمكن من العباسيين الذين أقبلوا عليه من خراسان (?).

وقد أدرك مروان ذلك فقال: انفرجت عني قيس انفراج الرأس ما تبعني منهم أحد وذلك أنا وضعنا الأمر في غير موضعه (?).

7 - لم يلجأ إلى استخدام المال والسياسة في تفتيت الخصوم:

لم يستفد مروان بن محمد من السياسة والمال في تفتيت الخصوم فقد أخطأ حين وليَّ ثابت بن نعيم فلسطين لأنه يعرف خطره، ولكن هذا الخطأ يمكن أن يخف كثيراً لو ترك إلى جانب ثابت رجلاً عيناً عليه لمروان من جهة، ومن جهة أخرى كي يحد من قيمة ثابت بين أصحابه، أو يتولى هذا الرجل معظم أعمال الوالي بحيث يكون الوالي مجرد رمز فقط، لأن مروان لم يكن يستطع عزله في ذلك الوقت حتى لا يثور الناس عليه وأخطأ أيضاً عندما ترك سليمان بن هشام في الرصافة فلو استبقاه لديه كمستشار مثلاً فترة أطول، ولم يدعه يذهب إلى الرصافة حيث كان والده هشام قد اتخذها مقراً له، لأمكن مروان أن يملك رأس الفئة المناوئة له .. ولو فعل لتجنبَّ فتناً داخلية شغلته عن خطر داهم تدفق من خراسان (?)، أخطأ كذلك عندما جنَّد جيشاً مؤلفاً من عشرة آلاف مقاتل، ووجهَّهم للعراق إلى قتال الخوارج رغم معرفته بأن هذا الجيش قد تمرد عليه قبلاً في دير أيوب ... حتى إذا تحرك هذا الجيش نحو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015