دخان كثيف تدل على ثورة بركان يمكن أن يجتث الحكم الأموي بكاملة (?)، فقد كان انتقال الخلافة من دمشق إلى الجزيرة انقلاب كبير ذو شأن، وانتقال الخلافة كان من منطقة إلى منطقة، ومن جوار إلى جوار، ومن عصبة إلى عصبة أخرى، وأخيراً من مجتمع إلى مجتمع وكان للمجتمع القديم أن يدافع عن نفسه وعن حقه المغتصب، فحصلت تلك الهزة العنيفة في تاريخ الأمويين ولئن كان مروان بن محمد قد تغلب على تلك الهزة وأخضعها بالسنان، فإن التفكك الذي حدث في الدولة الأموية والصدع الذي لم يُرْتَقَ، ولم يكن للجرح أن يلتئم في عهد مروان إذ لم يُترك متسع من الوقت أمام الحكم الجديد ليوطد أركانه، فالدولة الأموية كانت قد نقضت بنيانها بغية أن تبني بنياناً جديداً مكانه، وإذ بالبنيان الجديد الذي لم يستقر بعد يتعرض للعاصفة، فيتساقط كأوراق الخريف (?).
لم يستطع مروان بن محمد أن يوجد حكومة مركزية من خلال نظام إداري سياسي يدعم الحكومة في الأقاليم، وتساند الحكومة جيش نظامي قوي، مع مؤسسات أخرى كالشرطة والمخابرات والأمن مما أدى إلى انتشار الإشاعات والدعايات والتنظيمات السرية التي لم تكن نشاطتها كلها تصل إلى سمع الخليفة فأنتجت في النهاية تلك الثورة العارمة، أين هذا العهد من عهد معاوية وعبد الملك وضبطهم لأمور الرعية وشدة تيقظهم ومتابعتهم للخصوم في الداخل والخارج ولذلك لما أحيط بمروان بن محمد آخر ملوك بني أمية قال يا لهفتاه (?) على دولة ما نصرت وكف ما ظفرت ونعمة ما شكرت. فقال له أحد خدامه: من أغفل الصغير حتى يكبر، والقليل حتى يكثر، والخفي حتى يظهر، وأخرّ فعل اليوم لغد، حلَّ به أكثر من هذا. فقال مروان: هذا القول أشدُّ عليَّ من فقد الخلافة (?)، إن تنظيم الحكومة المركزية القوية يساعد على ضبط أمور الدولة ومتابعة أخبار الأقاليم والأمراء والرعية من خلال أجهزتها ومؤسساتها ولجانها وخصوصاً فيما يتعلق بالأمن وجمع المعلومات ولذلك لما سئل أحد أمراء بني أمية ما سبب زول ملككم؟
قال: قلة التيقّظ وشُغلنا بلذاتنا عن التفرغ لمهّماتنا، ووثقنا بكُفاتنا فآثروا موافقهم علينا وظلم عّمالنا رعيّتنا ففسدت نياتهم لنا، وحُمل على أهل خراجنا فقلّ دخلنا، وبطل عطاء جندنا فزالت طاعتهم لنا واستدعاهم أعداؤنا فأعانوهم علينا، وقصدنا بُغاتنا فعجزنا عن دفعهم لقّلة نصّارنا، وكان أول زوال ملكنا استتار الأخبار عنّا، فزال ملكنا عّنا بنا (?). والحقيقة أن هذه الرواية جمعت معظم العوامل التي أدت