أرتكب مروان خطأ كبيراً عندما نقل عاصمة الدولة إلى حِرّان بالعراق بحيث أخذت قلوب أهل الشام تنصرف عنه، وقد نقل كل الأعمال إلى العاصمة الجديدة مع بيت المال من دمشق، وآل به هذا إلى نتائج خطيرة فقد شعرت الشام بأجمعها مع دمشق بأنها سُلبت الحكم يستثنى من ذلك قسمها الشمالي، وعمقت الخلافات الحزبية هذا الشعور أكثر فأكثر وتمنى الناس العودة إلى العهود السابقة (?)، وكان ذلك الفعل بداية النهاية لعاصمة الأمويين (?).
إن مروان عندما ابتعد عن دمشق فقد نصيراً قوياً انتبه إلى أهميته معاوية بن أبي سفيان، فأوصى ابنه يزيد بأن يجعل أهل الشام بطانته، وأن ينتصر بهم (?)، وبالفعل لقد ألف أهل الشام بني أمية، فأصبح هواهم في بني أمية وحب بني أمية قد رسخ في قلوبهم (?). والواقع أن معاوية منُذ أيام ولايته أدرك طباع أهل الشام، وأخلاقهم فماشاهم، وساسهم أحسن سياسة، فأخلصوا له أشد الإخلاص، وحفظوا له أطيب الذكرى، والتفوا حول بيته، حتى أصبح آل أمية وجه دمشق المشرق إلا أنه لما فشت العصبية القبلية واشتدت، وأصبح الخليفة لفئة من الناس دون فئة واضطره هذا في بعض الأحيان أن يعرض عن اليمانية، وهم معظم أهل الشام، بدأ هؤلاء يبتعدون عن الأسرة الأموية قليلاً، ولكن رغم كل ذلك بقي لبني أمية في قلوب أهل الشام محبة خاصة تجسدت في ثورتهم بعد زوال البيت الأموي مباشرة، وربما كان عذر مروان في نقل العاصمة إلى حِرّان أنها كانت مركز القيسية وهؤلاء هم دعامته الكبري في الوصول إلى الخلافة (?)، وبين ظهرانيهم عاش والده ونشأ هو وفي هذه المنطقة كان يشعر أنه بين ذويه، ثم إن هؤلاء هم الذين بايعوه قبل غيرهم، ولا يمكن أن يبقى عند سواهم (?).
وهو من جهة أخرى لا يثق بالجيش الشامي واليمانيون فيه أكثرية إن هذا العذر غير مقبول لأن مروان بما وصف به من بعد نظر، وتفكير طويل، كان يقدر أن يضم تحت جناحه اليمانية بأي أسلوب كان دون أن يغضب أصدقاءه القدامى من قيس، وبهذا تعود للشعب وحدته، ولقد جنى مروان ثمرة نقل العاصمة بنفسه إذا اضطره ذلك لخوض معارك متعددة على أرض الشام دامت فترة من الزمن، في وقت كانت فيه خراسان ترتجف بنصر بن سيار، وقد بدت سحائب