إلى زعزعته وتخاذله حتى في أحلك الظروف وقد استغل العباسيون هذا الضعف للفت في عضد الحكم الأموي، وتعطي وصية إبراهيم بن محمد العباسي لأبي مسلم الخراساني صورة صادقة للأوضاع القبلية بين العرب فقد أوصاه بقوله: " فأنظر هذا الحي من اليمن فأكرمهم وحل بين أظهرهم، فإن الله عز وجل لا يتم هذا الأمر إلا بهم، وأنظر هذا الحي من ربيعة فاتهمهم فإنهم العدو (?).
وهكذا فعل أبو مسلم في خراسان، ومالت اليمانية إلى بني العباس بدافع العصبية ضد القيسية التي كانت بجانب مروان بن محمد (?)، وتجلت العصبية في معركة الزاب وكيف كانت ذات أثر كبير في هزيمة مروان بن محمد؟ وبعد هزيمته تخلى عنه جنده وكان: لا يمر بجند من أجناد الشام إلا انتهبوه (?). وأدرك مروان نتيجة الاعتماد على القوة العسكرية للقبائل حيث قال: انفرجت عني قيس انفراج الرأس ما تبعني منهم أحد وذلك أنا وضعنا الأمر في غير موضعه (?). لذا فإن عدم قدرة الخلافة على تكوين جيش نظامي دائمي ومرتبط بالدولة وموال لها ومدافع عن شرعيتها، كان من أهم نقاط الضعف في الخلافة بحيث جعل السلطة المركزية عرضة لأهواء وميول شيوخ القبائل، والمتنفذين في أقاليم الدولة الواسعة، فلما ضعف المقاتلة وضعف تماسكهم من جراء العصبية أو المطامع الشخصية وفقدت رابطة الهدف المشترك الذي يربطها بالحكم تخلت عنه وأدت إلى انهياره (?).
لم يستطع مروان بن محمد أن ينقذ الخلافة الأموية من سقوطها الكبير وذلك لأسباب كثيرة:
لم يكن لمروان بن محمد أي حق شرعي بالخلافة - بالعرف الأموي - فلم يذكر اسمه في تفويض ولاية العهد كما أنه كان ابن أَمة ولم يكن من عادة الأمويين تولية العهد لأولاد الإماء من الأمراء، فقد حرموا مسلمة بن عبد الملك من الخلافة بسبب ذلك، إلا أن مروان اغتصب الخلافة نتيجة الإضطرابات التي أعقبت مقتل الوليد الثاني وقد رفض أهل الشام الاعتراف بخلافته أول الأمر كما ثار ضده أمراء من البيت المرواني. إن هذا الانقسام في الشام وفي البيت الحاكم أضعف البلاد ودمر قوتها العسكرية (?).