إن مقتل الوليد بن يزيد كان نقطة البدء في تحدي فكرة الشرعية الأموية ومسماراً ضخماً في نعش الخلافة كمنصب له قدسيته وهيبته، وقد تناولت هذه الفتنة الأسس المكينة التي اعتمد عليها الحكم الأموي بشكل عام إذ كان القائمون عليها من أهل الشام أولاً، ومن الأمويين ثانياً، وكلاً العنصرين أساس في تثبيت السلطان الأموي (?): إن هذا التمزق الداخلي هو أخطر ما أصاب بني أمية .. إن العصبية التي كانت تحفظ تماسك بني أمية - في وجه العصبيات الصغيرة والعواصف العامة - قد انشقت، وفقدت قوتها الذاتية (?). وهكذا بدأت مسيرة الدم داخل البيت الأموي وفقدت الأمة إجلالها لهذا البيت المتآكل المتداعي وكان عهد مروان بن محمد، عهد اضطراب داخلي (?). لقد أقدم الأمويون على عمل خطير، فهم قد انتحروا عندما تقاتلوا فيما بينهم وتبادلوا مواقع الموت .. وفي سبع سنوات كانوا قد أجهزوا على أنفسهم .. وقضوا على أسرتهم التي حملوا رايتها (?). ووافق هذا الخلاف والنزاع بين البيت الأموي تنظيم عباسي محكم يخطط للوصول إلى الحكم وينتظر الفرصة المناسبة لذلك حتى إذا ما حصلت استغل هذا الخلاف مما ساهم في الإطاحة ببني أمية.
لم يحسن الخلفاء المتأخرون في الدولة الأموية في الموازنة بين القبائل الرئيسية في الدولة فقد مال الخليفة الوليد بن يزيد في خلافته للقبائل القيسية وأظهر جهلاً واضحاً في علاقته مع القبائل اليمانية التي قام عليها كيان الجند الشامي، فكان لموقف الوليد من خالد بن عبد الله القسري وهو أحد إشراف اليمانية الذي أساء معاملته وسلمه إلى يوسف بن عمر بن هبيرة والي العراق والذي عذبه حتى مات، سبب كاف لأن تظهر القبائل اليمانية استياءها وهي أكثر جند الشام، لأن مغزى هذا الإجراء إغراء قبائل قيس بقبائل اليمن وأصبحت الحكومة حزباً قيسياً، وأصبحت قبائل اليمن مهيأة لأن تستخدم كأداة للتغيير وهي عماد القوة العسكرية وذلك بتغيير الحكومة خاصة وأن الوليد بن يزيد لم يلق التأييد الكامل من آل بيته لموقفه السيء منهم مما سهل على القوى العسكرية إيجاد المرشح البديل، فالتفت حول يزيد بن الوليد، واستطاع يزيد من تحقيق طموحه للوصول إلى الخلافة مستغلاً تذمر الفئة العسكرية الغاضبة على مكانتها وضياع امتيازتها، ومغرياً فئات أخرى بالمال.
وكان لتورط الجيش بالثورة على الخلافة وتقرير سياستها وفق ما تمليه عليه المصلحة والعصبية القبلية أن فقدت الخلافة الأموية هيبتها وشرعيتها لدى مؤيديها من القبائل التي تمثل قوتها العسكرية وبالمقابل كان لفشل الخلافة