كان لا بد للأمويين من تبريرات جديدة يعيشون عليها وتندفع الجماهير خلفهم تحت رايتها وافتقد أواخر العهد الأموي وجود أمثال عبد الملك والوليد من بناة الدول وصانعي الفتوحات العظيمة ومن أمثال رجال الإصلاح والتجديد من رجال الدعوة والعدل الشامل وتقديم نموذج الدولة الراشدة لبقية الإنسانية، فبدلاً من هذا، قدم الأمويون رجالاً من طراز الوليد بن يزيد ويزيد بن الوليد وإبراهيم بن الوليد (?) الذين لم يستطيعوا أن يقدموا مشروعاً حضارياً يجدد حيوية الدولة ويرسم أهدافها ويدفعها بقوة نحوها وإنما دخلوا في إنفاق مظلمة انتهت بزوال دولتهم، لقد فشل خلفاء بني أمية المتأخرون في إيجاد تيار حضاري بعد أن اتسعت رقعة الأرض التي يقومون فوقها ولم يستطيعوا تحويل المناوئين لهم إلى عاملين معهم، في مجال الدعوة ونشر الإسلام ودعوة الأمم وتعليمها وتربيتها على الإسلام الصحيح وتعليم الشعوب دين الله سواء باللغة العربية، وبترجمة حقيقة الإسلام للغات الشعوب المسلمة فقد كان المطلوب منهم تحقيق التوازن بين الدولة والدعوة والأرض والعقيدة والسياسة والفكر وكانت هذه رسالة عظمى، لم يتقدم فيها الأمويون كما تقتضي الظروف والتحديات، وكما تقتضي الملائمة للتحدي وهذا هو الخطأ الحضاري الكبير (?)،

فحقيقة الأمر أنهم لم ينبعثوا بتيار حضاري يتمم تيارات الفتوحات ويكمله، ويمتص كل حركات الخروج والفتن، فهكذا التاريخ الحضاري دائماً إما أن تتقدم أو تموت ولا سكون في تاريخ الإنسانية (?).

عاشراً: النزاع الداخلي بين الأسرة الحاكمة:

إن سنة الله تعالى ماضية في الشعوب والأمم لا تتبدل ولا تتغير ولا تجامل، وجعل الله سبحانه وتعالى من أسباب هلاك الأمم وزوال الدول الاختلاف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا " وفي رواية: فأهلكوا (?). وعند ابن حبان عن ابن مسعود رضي الله عنه: فإنما أهلك من كان قبلكم الاختلاف (?). إن من الدروس المهمة في هذه الدراسة التاريخية أن نتوقى الهلاك بتوقي أسباب الاختلاف المذموم، لأن الاختلاف كان سبباً من الأسباب في ضياع الدولة الأموية وهلاكها واندثارها وكان لهذا الاختلاف الذي وقع في البيت الأموي أسبابه منها الوازع الديني عند بعض أمراء الأمويين، والأنانية وحب الذات، والتكالب على المصالح الدنيوية، والتناحر من أجلها والحرص على السلطان والجاه والمناصب، وتحكيم بعض الخلفاء أهواءهم في الأمور فهذه الأسباب كانت وقوداً للمنازعات والخلافات التي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015