استفحل الأمر بين الطرفين، وبلغ نقطة اللاعودة رغم بعض المحاولات التي سعت لوقف الانهيار وقد استمر هذا الصراع سنين عديدة، خندق كل من الطرفين إزاء الآخر دون أن يتمكن أحدهما من أن يطوي الآخر، الأمر الذي مكّن للدعوة العباسية من أن تثبّت نفوذها هناك وتتحفز للانقضاض على الخلافة الأموية، وقد بقي أبو مسلم الخراساني شهوراً لا يجرؤ على الاستيلاء على مرو قاعدة خراسان، لكنه أخذ يحتل المواقع المحيطة بها مستغلاً الصراع بين اليمنيين والقيسيين، وحاول نصر بن سيار مرة أخرى تحقيق الوفاق بين الطرفين دون جدوى، بينما كان أبو مسلم يذكي العداء بين نصر والكرماني، ونزل في خندق ثالث بين خندقيهما، واستطاع أبو مسلم من تحقيق هدفه المرتجى ودخل مرو سنة 130 هـ وكان ذلك البداية الحقيقية لنجاح الدعوة العباسية وإنهيار الأمويين (?).
إن الإسلام يحرم العصبية التي تؤدي إلى التناحر والصراع وتتحكم في الأفراد والجماعات والأمم وتدفعهم إلى نحو القتال بدون وجه حق، فالعصبية مصادمة لنصوص القرآن الداعية إلى الوحدة والائتلاف (?) قال تعالى: " واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا " (آل عمران، آية: 103) وقال تعالى: " ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم " (آل عمران، آية: 105).
وقال صلى الله عليه وسلم: " ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية (?). ودعوى الجاهلية ندب الميت وتكون دعوى الجاهلية في العصبية (?).
إن قصة الدولة الأموية تملك دلالتها المعاصرة، فحين تكون الدولة حكراً على فئة معينة من مجتمعها فإنها تضع أساس عدم استقرارها السياسي وتهديد هويتها الفكرية وانقسام قاعدتها الاجتماعية والسياسية ثم زوالها (?).
إن القارئ للتاريخ الإسلامي سوف يلحظ أن الموالي كان لهم دورهم السياسي والعلمي في الدولة الأموية، فقد قاموا بأعمال الفتوحات الواسعة كقادة الجيش، كما قاموا بأعمال التنظيم الإداري كالقيام على أمر الدواوين وتعريبها، ثم كعلماء بزوا العرب في ذلك ويمكن القول أن الموالي كانوا على ثلاث طبقات: