ضرب الأمويون نظام الشورى في الحكم، ذلك النظام القائم على حرية الانتخاب وحرية المعارضة، والذي كانت القيادة الراشدة نفذته التزاماً بمعطيات القران والسنة في هذا المجال، ولقد ولّدت خطوة الأمويين هذه التي أقدم عليها معاوية في أخريات خلافته الكثير من ردود الأفعال، وبالتالي في حركات المعارضة، السلمية والمسلحة، والتي استنزفت في جسد الأمة الإسلامية طيلة العقود التالية الكثير من العناء والدماء، بل إن بعضها تحول إلى تجمع مذهبي وصل حد الانغلاق في عدائه مع خصومه، وأصبح على استعداد لتقبل عناصر غريبة شاذة، لم يقل بها الإسلام يوماً أو يدعو إليها .. إن الفعل الخاطيء يولد رد فعل خاطئ يساويه في القوة ويخالفه في الاتجاه وهذا الذي حدث فعلاً عبر عديد من حركات المعارضة الدموية والتمزقات السياسية العنيفة التي شاهدها هذا العصر (?)
أوجد البغض والكراهية ليس لدى جماهير المسلمين فحسب، بل لدى أهل البيت الأموي نفسه، ففضلاً عن أن الفكرة شغلت معاوية، كما شغله تنفيذها إلا أنها جلبت على الخلافة الأموية، كلها المشاكل التي أسهمت في كراهية الناس لها، وسعيهم في القضاء عليها، وأسهمت في خلق التفكك وإضعاف التضامن في البيت الأموي (?).
يقول الشيخ محمد خضري بك: كانت ولاية العهد سبباً كبيراً في انشقاق البيت الأموي، وذلك أن بني مروان اعتادوا أن يولوا عهدهم اثنين يلي أحدهما الآخر. وأول من فعل ذلك مروان فإنه أزاح خالد بن يزيد وعمرو بن سعيد ثم ولي عهده عبد الملك ثم عبد العزيز وكذلك عبد الملك حيث كاد أن يشق هذا البيت حيث أراد تحويل ولاية عهده إلى ابنه الوليد وعزل أخيه لولا أن ساعده القضاء المحتوم بوفاة عبد العزيز فلم تبدأ الأزمة ولكنه هو الذي رأى ذلك وعلمه ولم يستفد من تلك التجربة بل ولى الوليد وسليمان, وخطر ببال الوليد أن يعزل سليمان ويولي ابنه، فعاجله القضاء وآخر الأمرإلى حين،
ولم يستفد سليمان مما حصل له فولى عهده عمر بن عبد العزيز ثم يزيد بن عبد الملك ولم يكن عمر يميل إلى يزيد فخيف منه فعوجل حتى قيل إنه سم، وأعاد يزيد هذه الغلطة فولى عهده هشاماً أخاه ثم الوليد ابنه فأراد هشام أن يخلع الوليد ولج في ذلك حتى تباعد ما بين هشام والوليد، وكان كثير من كبار القواد وذوي الكلمة المسموعة في الدولة الأموية صرحوا بممالأة هشام على رأيه ولكنه مات قبل أن ينفذ ما رأى فجاء الوليد مشمراً عن ساعد الجد في الانتقام من أولئك الخصوم الذين عليهم المعول في إشادة بيتهم ومنهم بنو عمه وكبار أهل بيته، فكان ذلك نذير الخراب، فإن