مما تستقيم مع الظلم في الحقوق، وإن لم تشترك في إثم، ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة، ويقال: إن الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام، وذلك أن العدل نظام كل شيء فإذا أقيم أمر الدنيا بالعدل قامت، وإن لم تقم بالعدل لم تقم وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزي به في الآخرة (?)

ولقد حدثت مظالم عظيمة في عهد الأمويين، فقد سفكوا الدماء بغير حق، وقتلوا بعض صالحي الأمة كالإمام الشهيد الحسين بن علي رضي الله عنه، وهتكوا حرمة المدينة واستباحوها في معركة الحّره، وحاصروا الكعبة وقتلوا الخليفة الشرعي عبد الله بن الزبير، وسفكوا دم العالم الجليل سعيد بن جبير، وقضوا بعنف على ثورة زيد بن علي في ظروف وأوقات مختلفة ولم يلتزم بعض زعمائهم بالعهود كعبد الملك في قتله لعمرو بن سعيد بن العاص الأشدق والذي ترك قتله أثراً كبيراً على الدولة الأموية في عهد عبد الملك (?) وغير ذلك من الشخصيات المهمة التي سفكت دماؤها بدون وجه حق هذه مظالم في الأنفس وأما الأموال، فقد فرضوا زيادات في بعض الضرائب المقررة وأنشأوا ضرائب جديدة لم تكن معروفة، ومالوا لأهل الشام فأكرموهم من أموال الأمة بزيادة الهبات المالية والرواتب الكبيرة جزاء تأييدهم المتواصل للحكم الأموي، واستخدموا أموال بيت المال لتأليف القلوب عليهم ثم الدعاية لأنفسهم طول الوقت وكانوا كرماء مع الشعراء، الذي تكسبوا بالشعر عن طريق الإسراف في مدحهم وخصوصاً في عهد عبد الملك، واستولوا على حق الأمة في اختيار من تشاء في الحكم وجعلوه ملكاً وراثياً قاتلوا عليه بحد السيوف وقد استغل أعداء الدولة الأموية هذه المظالم وأسرفوا في الدعاية ضدها، ووجدوا الكثير من نقاط الضعف للهجوم (?) عليها، لقد ساهمت المظالم الأموية في تقوية الدّعاية للحركات المضادة لهم ثم تبلورت مع الزمن حتى جاءت الدعوة العباسية وأزالت الأمويين من الوجود بسبب مظالمهم المالية والسياسية، والاجتماعية ومضت سنة الله فيهم.

ثالثاً: الترف والانغماس في الشهوات:

قال تعالى: " فلولا كان من القرون من قبلكم أُولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً مّمن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أُترفوا فيه وكانوا مجرمين " (هود، آية: 116).

قال تعالى: " واتبّع الذين ظلموا ما أُترفوا فيه " أراد بالذين ظلموا: تاركي النهي عن المنكرات، أي لم يهتموا بما هو ركن عظيم من أركان الدين وهو الأمر بالمعروف والنهي عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015