بناء على ما يكون فيها من عوامل البقاء كالعدل، أو من عوامل الهلاك كالظلم الذي يظهر أثرها وهو هلاكها بعد مضي مدة محددة يعلمها
الله (?)، قال تعالى: " ولكل أمة أجل، فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون "
(الأعراف، آية: 34) قال الألوسي - رحمه الله - في تفسير هذه الآية " ولكل أُمة أجل "، أي لكل أمة من الأمم الهالكة أجل، أي وقت معين مضروب لاستئصالهم (?)، ولكن هلاك الأمم وإن كان شيئاً مؤكداً ولكن وقت حلوله مجهول لنا، أي أننا نعلم يقيناً أن الأمة الظالمة تهلك حتماً بسبب ظلمها حسب سنة الله تعالى في الظلم والظالمين ولكننا لا نعرف وقت هلاكها بالضبط، فلا يمكن لأحد أن يحدد بالأيام ولا بالسنين، وهو محدد عند الله تعالى (?). إن سنة الله مطردة في هلاك الأمم الظالمة قال تعالى: " ذلك من أنباء القرى نقضه عليك منها قائم وحصيد. وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم ألهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد، (هود، آية: 100 - 102). إن الآية الكريمة تبين أن عذاب الله ليس مقتصراً على من تقدم من الأمم الظالمة بل إن سنته تعالى في أخذ كل الظالمين سنة واحدة، فلا ينبغي أن يظن أحد أن هذا الهلاك قاصراً بأولئك الظلمة السابقين؛ لأن الله تعالى لما حكى أحوالهم قال: " وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القُرى وهي ظالمة ". فيبين الله تعالى أن كل من شارك أولئك المتقدمين في أفعالهم التي أدت إلى هلاكهم فلابد أن يشاركهم في ذلك الأخذ الأليم الشديد، فالآية تحذر من خطورة الظلم إن الدولة الكافرة قد تكون عادلة بمعنى أن حكامها
لا يظلمون الناس، والناس أنفسهم لا يتظالمون فيما بينهم فهذه الدولة مع كفرها تبقى، إذ ليس من سنته تعالى إهلاك الدولة بكفرها فقط ولكن إذا انضم إلى كفرها ظلم حكامها للرعية وتظالم الناس فيها بينهم (?)، قال تعالى: " وما كان ربك لِيُهلك القُرى بظلم وأهلها مصلحون " (هود، آية: 117) قال الإمام الرازي - رحمه الله - في تفسيره: إن المراد من الظلم في هذه الآية الشرك والمعنى: أن الله تعالى لا يهلك أهل القرى بمجرد كونهم مشركين، إذا كانوا مصلحين في المعاملات فيما بينهم، يعامل بعضهم على الصلاح وعدم الفساد (?)، وفي تفسير القرطبي - رحمه الله - قوله تعالى " بظلم " أي بشرك وكفر " وأهلها مصلحون "، أي: فيما بينهم في تعاطى الحقوق، ومعنى الآية: إن الله تعالى لم يكن ليهلكهم بالكفر وحده حتى ينضاف إليه الفساد، كما أهلك قوم شعيب ببخس المكيال والميزان وقوم لوط باللواط (?). قال ابن تيمية - رحمه الله - في هلاك الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة: وأمور الناس إنما تستقيم مع العدل الذي يكون فيه الاشتراك في بعض أنواع الإثم أكثر