أولاً: الثورة المضادة على حركة عمر بن عبد العزيز الإصلاحية:

أخذت الخلافة الأموية تتراجع عن الغاية التي قامت من أجلها الدولة في الإسلام وهي حراسة الدين، فنهض عمر بهذا المبدأ ورفع لوأه وأعلى شأنه وجعله المهيمن والمقّم على ما سواه وضبط أمور الدولة بالكتاب والسنة ومنهج الخلفاء الراشدين، فجددّ في نظام الحكم، وأصلح الانحرافات التي وقع فيها الخلفاء الأمويون الذين سبقوه، فجدّد معالم الشورى، وأقام العدل، ورد المظالم وبدأ بنفسه وأهل بيته ونزع المظالم من بني أمية ورد الحقوق لأصحابها، وعزل جميع الولاة والحكام الظالمين، ورفع المظالم عن الموالي، وأهل الذمة، وطبق مبدأ المساواة بين الرعية، وفتح مجال الحريات، الفكرية والعقدية، والسياسية، والشخصية والتجارة والكسب واستوعب قوى المعارضة المختلفة بالحوار والنقاش، وجدّد وظيفة الدولة الدعوية من خلال مشروعه الدعوى الحضاري للأمم وحققت سياسته المنضبطة بالكتاب والسنة وتحكيم الشرع في صغائر الأمور وكبارها نتائج وثمار كثيرة منها التمكين للدولة وتجديد حيويتها والأمن والاستقرار لها، والنصر والفتح على يديها والعز والشرف وبركة العيش ورغد الحياة وضرب عمر بن عبد العزيز مثالاً واضحاً على قدرة الإسلام على العودة باستمرار لقيادة الحياة السياسية والتشريعية، والحضارية وصياغتها بما ينسجم ومبادئه الأساسية إلا أن الخلفاء الأمويين الذين جاءوا في أعقاب عمر لم يواصلوا السير على الطريق ذاته، ونقضت مع الزمن إجراءات عمر بن عبد العزيز الإصلاحية، وقام فيما يُسمى اليوم بثورة مضادة أودت في نهاية الأمر بمحاولة عمر الإصلاحية التي يمكن لو قيّض لها من يواصل السير على منهجها، أن تحمي الوجود الأموي نفسه من الدمار، فها هم خلفاء بني أمية المتأخرون يعودون إلى ممارسة الأخطأ االكبيرة نفسها في مجالات السياسة والإدارة والاجتماع، وبشكل أكثر حدة وعنف من ذي قبل، كما مر بنا، فكان أن تحققت الدعوة العباسية السرية الدقيقة لكي تعلن عن ثورتها، وتقضي على ذلك

البناء الشامخ، الذي عاش ما يقرب قرناً من الزمان (?) " وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون " (هود، آية: 117).

ثانياً: الظلم:

إن الظلم في الدولة كالمرض في الإنسان يعجل في موته بعد أن يقضي المدة المقدرة له وهو مريض، وبانتهاء هذه المدة يحين أجل موته، فكذلك الظلم في الأمة والدولة، يعجل في هلاكها بما يحدثه فيها من آثار مدمرة تؤدي إلى هلاكها، واضمحلا لها خلال مدة معينة يعلمها الله هي الأجل المقدر له، أي الذي قدره الله بموجب سنته العامة التي وضعها لآجال الأمم،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015