وشهدت شوارع المدينة مجابهات عنيفة بين الطرفين وتمكن الجيش من السيطرة على الموقف (?). ومنحه الوالي الأموي عبد الله بن معاوية الأمان والإذن بالانسحاب، فارتحل إلى فارس حيث أعاد تنظيم صفوفه وقوي أمره بما انضم إليه من الموالي، والعبيد، والعباسيين الثائرين على الحكم الأموي، والأمويين الناقمين على مروان الثاني، وكل طامع في عطيه أو وظيفة وبقايا الخوارج الذي طردهم مروان الثاني في الموصل (?). وكان الحشد الذي التف حوله غير متجانس كل ما يجمعه هو العداء لمروان الثاني، لذلك لم يستطع المواجهة، ولم يتم له الصمود والاستمرار طويلاً، فانفرط عقده عند أول هزيمة مني بها أمام قوات مروان الثاني عند مدينة " مرو الشاذان " في نهاية عام 129 هـ / 747م.
وقال ابن عساكر: وقد كان عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ظهر وبويع له بالخلافة بأصبهان في سنة سبع وعشرين ومائة في خلافة مروان بن محمد، وملك فارس وكرمان وكثر تبعه وجيء الأموال، وملك تلك البلاد وقوي أمره وكانت بينه وبين عمّال مروان وقائع وحروب كثيرة، ولم يزل هناك إلى أن جاءت الدولة العبّاسية، ثم حارب مالك بن الهيثم صاحب أبي مسلم، فظفر به وحمله إلى أبي مسلم فحبسه وقتله، ويقال: بل مات في سجنه (?). ومن شعر عبد الله بن معاوية:
فعين الرضا عن كل عيب كليلة ... ولكنّ عين السخط تبدي المساويا
كلانا غني عن أخيه حياته ... ونحن إذا متنا أشد تغانيا (?)
كان عبد الله بن عمر بن عبد العزيز والياً على العراق ومركزه الكوفة وكان له رغبة استقلالية، إذ أنه بعد تغلبه على عبد الله بن معاوية أضحى له من السلطان والقوة ما بدأ له أن باستطاعته الانتفاضة على حكم مروان الثاني، فنقضى بيعته له، وقد اعتمد في تحركه على القبائل اليمنية، من أهل الشام المقيمين في الكوفة والحيرة الذين ساءهم خضوع الشام للنفوذ القيسي (?). اعتقد مروان أن عبد الله بن عمر لا يشكل خطراً كبيراً على وضعه فلم يعر الأمر جدية في البداية، لكنه لما شعر بخطورة ذلك، قام بمواجهة عبد الله وبعث إليه بجيش من الشام بقيادة النضر بن سعيد الخرشي، أحد أبطال القيسين المشهورين، ودارت بينهما معركة خفيفة