منقار طائر طالماً فاضت في جوف الليل من خوف الله عز وجل، وكم من يد زالت عن مفصلها طالما اعتمد بها صاحبها في سجوده لله وكم من خد عتيق وجبين رقيق فُلِقَ بعمد الحديد رحمة الله على تلك الأبدان وأدخل أرواحها الجنان أقول قولي هذا واستغفر الله من تقصيرنا وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. (?)
خرج أبو حمزة من المدينة وخلف بعض أصحابه، فسار حتى نزل الوادي، وكان مروان قد انتخب من عسكره أربعة آلاف، واستعمل عليهم ابن عطية، وأمره بالجد في السير وأعطى كل رجل منهم مائة دينار، وفرساً عربية وبغلاً لثقله وأمره أن يمضي ليقاتلهم، فإن ظفر بهم، مضى حتى يبلغ اليمن ويقاتل عبد الله بن يحي ومن معه، فخرج حتى نز العلا، وكان أبو حمزة حين خرج ودع أهل المدينة للخروج إلى مروان يقاتله، قال: يا أهل المدينة إنا خارجون إلى مروان فإن نظفر نعدل في أحكامكم، ونحملكم على سنة نبيكم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونقسم فيئكم بينكم، وإن يكن ما تمنون، فسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون سار أبو حمزة وأصحابه إلى مروان، فتقابل في وادي القرى مع خيل الشام، بقيادة ابن عطية السعدي، فأوقعوا بهم، فرجعوا منهزمين إلى المدينة، فلقيهم أهل المدينة فقتلوهم وأقام ابن عطية في المدينة شهراً واستخلف عليها الوليد بن عروة ثم مضى إلى مكة وإلى اليمن، واستخلف على مكة: ابن ماعز، رجلاً من أهل الشام، وقد قتل في هذه المعركة أبو حمزة الخارجي وسار ابن عطية متطلعاً إلى اليمن، فتقابل هو وعبد الله بن يحي وظل يمشي حتى دخل صنعاء، وبعث برأس عبد الله بن يحي إلى مروان. ثم كتب مروان إلى ابن عطية يأمره أن يغَّد السير، ويحج بالناس، فخرج في نفر من أصحابه حتى نزل الجرف ففطن له بعض أهل القرية. فقالوا: منهزمين والله فشدّوا عليهم فقال: ويحكم! عامل الحج، والله كتب إليَّ أمير المؤمنين (?). ولكن الرجال الذين خرجوا عليهم لم يصدقوا دعواهم، وألحوا عليهم حتى قتلوهم جميعاً إلا رجلاً واحداً (?).
تزعم عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر آخر حركة قام بها الشيعة ضد الدولة الأموية وانضم إليها شيعة الكوفة وبايعوه بالخلافة وخرج في شهر محرم من عام 127 هـ / 744م لقتال أهل الشام في الحيرة (?)، ويبدو أن الشيعة خذلوه عندما نشب القتال، وفروا من أرض المعركة ولم يثبت معه سوى ربيعة والزيدية، فاضطر إلى التراجع إلى الكوفة، وتبعه الأمويون،