والمكاتفة، وإن أنا لم أوف لكم فلكم أن تخلعوني، إلا أن تستتيبوني، فإن أنا تبت قبلتم مني، وإن عرفتم أحداً يقوم مقامي ممن يعرف بالصلاح يعطيكم من نفسه مثل ما أعطيتكم فأردتم أن تبايعوه فأنا أول من بايعه ودخل في طاعته. أيها الناس، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم (?). وقد تضمنت هذه الخطبة العديد من الأمور التي تستحق التوقف أمامها:
1 - شرح للتبريرات التي دفعته القيام بهذه الخطوة وفي المقدمة أن هذا الخروج كان غضباً لله ودينه ودعوة إلى سنة نبيه، نظراً لما فعله الوليد الجبار العنيد المستحل للحرمات وما جاء به من بدع منكرة - حسب رأيه.
2 - أنه يحدد برنامجه خطوة خطوة، إذ أنه يتعهد أن لا يضع: حجراً على حجر ولا لبنة على لبنة ولا أكري نهراً ولا أكثر مالاً ولا أعطيه زوجاً ولا ولداً: إذا المعروف أن معظم الخلفاء الأمويين، أنفقوا أموالاً كثيرة في بناء القصور خاصة في دمشق والبادية على حد سواء (?). كما أنهم عمروا الكثير من المساجد في المدينة والقدس ودمشق وسواهم وفي الطريق إلى الحج .. ولا بد أن يضاف إلى ذلك كله أن الخلفاء والأمراء الأمويين قاموا بكري الأنهر لإحياء الأراضي الموات التي استصلحوها، وأنفقوا في سبيل ذلك الكثير من الأموال العامة وفيما كانت سياستهم في جانب منها تقوم على الإنفاق من بيت المال (?).
3 - يؤكد يزيد أن كل منطقة من أجزاء الدولة الإسلامية ستنفق مداخيلها على شؤونها، وهذا بمثابة تطور هام، كان له أوليات في عهد عمر بن عبد العزيز إذ أن ما أشرنا إليه عن إرساله الأموال من الشام إلى العراق، كان انقلاباً نوعياً في العلاقات المالية بين المركز والأطراف. هنا نلمح خطوة إلى الأمام في إنفاق الواردات في أماكن جبايتها الأصلية. علماً أن الخلفاء الأمويين كانوا يضطرون إلى إرسال الأموال للإنفاق على الجنود والجيوش لقمع الانتفاضات والثورات. أما الآن فالأمر قد اختلف كلياً، إذ أنه في حال توافر فائض يمكن استعماله لسد حاجات المناطق المجاورة وليس لملء خزائن السلطة المركزية (?).
4 - إنه يتعهد بالامتناع على إطلاق حملات عسكرية تؤدي إلى بقاء الجيوش بعيداً عن منازلها لمدد طويلة وهو ما يسمى بتجمير الجيش وهو ما مثل قضية خلال خلافة عمر ومن بعده من الخلفاء. ولا ننسى أن ثورة ابن الأشعث كانت في جانبها الأبرز تعبيراً عن رفض بقاء