الجنود بعيدين عن مواطنهم، حتى أن المهلب بن أبي صفرة نصح الحجاج بعدم التصدي لهم، لأنهم لدى عودتهم سيكونون مندفعين كالسيل (?). على أن هذه القضية كان أشد تأثيراً لدى جند الشام من العراقيين، باعتبار أن الأولين باتوا قوة متفرغة للقتال سواء في الصوائف أو لقمع الثورات التي تنشب هنا أو هناك والتي شملت أجزاء الدولة في مراحل متلاحقة من دون استثناء. إذن نحُن إزاء قضية تملك حساسية خاصة بالنسبة للجند الشاميين الذين باتوا قوة قمع كاملة المواصفات. ولما كانت أعطيات هؤلاء تتأخر، فهو يعد بالأعطيات سنوياً والأرزاق شهرياً.
5 - يتوجه في خطابه أيضاً لأهل الجزية، أو الشعوب المغلوبة في المشرق والمغرب، ويعدهم بمعاملة منصفة، وهذه المعاملة المنصفة ستدفعهم إلى البقاء في قراهم وعلى خدمة أراضيهم من دون أن يضطروا إلى مغادرتها نحو المدن والمراكز ومن شأن هذه العدالة أن تحافظ عليهم في بلادهم وتحافظ على ذراريهم، إذ أن تعرضهم للقهر عبر منوعات الضرائب، التي كانت سارية من شأنها تهجيرهم وإفنائهم (?).
6 - إن هذه السياسات من شأنها أن تردم الهوة بين المسلمين.
والهوة المقصودة هنا هو هوة اجتماعية واقتصادية بطبيعة الحال. واستعمال مصطلح المسلمين وليس العرب له دلالته. إذ أنه يدخل عملياً في هذا الموالي المسلمين بما يزيل الدونية التي عانوا منها. مما يعني هناك نقلة نحو المساواة التي كان عمر بن عبد العزيز قد خطا نحوها.
7 - إن هذا البرنامج الذي يلتزم به أمامهم هو العقد الذي يرتبط به معهم وكما أنه يتعهد بالإيفاء، فإن هذا يتطلب منهم السمع والطاعة وحسن المؤازرة والمكاتفة، أما إذ لم يف فإن لهم خلعه. هذا العقد الذي تتحدد فيه بدقة الحقوق والواجبات بين الحاكم والمحكوم، تنسف عملياً كل ادعاءات السلطة المطلقة ... وهو فكر يجزم أن أمير المؤمنين وإن كان يتمتع بسلطة، إلا أنها ليست مطلقة، إذ أنها تخضع لموافقة المجتمع عليها، فإن أساء استعمال الصلاحيات التي يخولها له موقعه كان ذلك مبرراً لخلعه (?).
وأهمية هذه النقاط أنها في كل واحدة منها تقدم جواباً على واحدة من إشكاليات الدولة الأموية إلا أن الجانب النظري شيء والتطبيق العملي قضية أخرى. فالخليفة الثائر لم يستطيع أن يفي بوعوده للناس واضطر أن يحابي اليمنيين الذين ساعدوه في الوصول إلى الخلافة