الوليد جمع بينهم التَّذمُر منه والمنافسة له والطمع في عزله، وكان يزيد بن الوليد بن عبد الملك أدهى خصوم الوليد وأشدهم طعناً فيه، وأكثرهم تحريضاً عليه وأقواهم عزماً على الإطاحة به، وآزر يزيد إخوته بسر، ومسرور، وعمر وروح، وإبراهيم. وكان عاصم وعبد الله ابنا عمر بن عبد العزيز يناوئان الوليد ويستخفان به ويدل ما رواه ابن عساكر من شعر عاصم على أنه كان يلوم المتقاعسين القاعدين عن مناهضة الوليد، ويستفزهم للوثوب به ويذكي حماستهم بتذكيره لهم بما يصبه الوليد عليهم من ألوان العذاب، إذ يقول:
يسومكم الوليد الخسف يعدو ... عليكم مالكم منه إباء
فإن كنتم كما قلتم رجالاً ... ففي عمل الرجال يُرَى الغنَاء
وإلا فاصمتوا عن ذي وقوموا ... لِتَخلفُ عن مكانكم النساء (?)
وأما الأمراء الأمويون الكبار من أبناء عبد الملك ومن أبناء أخيه محمد ابن مروان ابن الحكم، ومن حفدة يزيد بن معاوية بي أبي سفيان فكانوا أرجح عقلاً من الأمراء الصغار والمتسرعين، وأكثر اعتدالا، وأوسع أفقاً، وأحسن وعياً لما ينفع ويضر، فسالموا الوليد، وصانعوه وأيدوه وحاولوا كبح جماح الأمراء
الصغار (?).
وأشهر الأمراء الأمويين الكبار هو العباس بن الوليد بن عبد الملك، وكانت له منزلة رفيعة في قومه وكان أخوه يزيد ومن انضموا إليه من اليمنية يعرفون قدره وأهميته لنجاح الثورة على الوليد، فحاولوا اجتذابه إليهم، إذ يقول عمر بن يزيد الحكمي ليزيد بن الوليد وقد انتصحه في الخروج على الوليد: إن العباس بن الوليد أخاك سَّيدُ أهل بيتك، فإن بايعك لم يخالفك الناس وإن أبي فالناس له أطوع، وإن أبيت مشاورته فأظهر بيعته لك (?). فأفضى إليه يزيد بأمره وخطته وغايته فزجره العباس وخّوفه (?). فرجع يزيد إلى منزله بالبادية، ودبَّ في الناس فبايعوه سراً ثم عاود أخاه العباس ومعه قطين مولاهم فشاوره وأعلمه أن قوماً يأتونه يريدونه على البيعة، فزبره العباس، وقال: إن عدت إلى مثلها لأشُدَّنك وثاقاً، ولأحملنك إلى أمير المؤمنين (?)، ولم يزل العباس بعارض أخاه يزيد ويُهدَّه ولا يألو جهداً في إرشاده واستصلاح سرائر أخوته، حتى يرأب الصدع بينهم وبين الوليد، ويمنعه من التنكيل بهم إذا نُمِيَ إليه أنهم يأتمرون به، ويُدَبَّروُن للانقضاض عليه، حرصاً على وحدة بني أمية ومصلحتهم وحماية