عصر الوليد بن عبد الملك العصر الذهبي للفتوح أيام الأمويين، حيث فتحت مناطق جديدة في السند والأندلس وما وراء النهر. ومن خلال مقارنة العصر الأموي بما سبقه أو لحقه من العصور نجد أنه لا مثيل له في سعة الفتوح سوى ما حدث في عصر الراشدين قبله، أو في العصر العثماني في أزمان لاحقة فهذه العصور الثلاثة هي عصور الفتوح والمد الإسلامي الرئيسية (?).
في سنة 123 هـ خرج عشرون ألفاً من الروم فنزلوا على المسلمين في ملطية، فأغلق أهلها أبوابها وظهر النساء على السور عليهن العمائم يقاتلن، وخرج رسولهم إلى هشام ابن عبد الملك بالرصافة مستغيثاً فندب هشام الناس إليها، ثم بلغه الخبر بجلاء الروم عنها، لكنه غزا بنفسه حتى نزلها وعسكر عليها حتى بنيت وحصنت (?).
في عهد هشام استشهد جماعة من أبرز قواد المسلمين مثل الجراح بن عبد الله الحكمي عامله على أرمينيا سنة 112 هـ واستشهد سور بن الحر التميمي في خراسان في نفس السنة، وعقبة بن سحيم الكلبي في جنوب خرسان سنة 107 هـ، ثم عبد الرحمن الغافقي في الجبهة نفسها في تور بواتيه سنة 114 هـ، مما يدل على امتداد ساحات القتال والفداء التي يغشها القادة بأنفسهم مع اجنادهم، وكلما قتل واحد منهم قام آخر ليواصل الطريق .. وكان هشام في كل ذلك يشفق على جنده ويتلقى أنباء استشهاد قادته فينخلع قلبه خشية أن يكون أحدهم قد انحاز عن العدو فخسر الجنة؛ فلما استشهد الجراح بن عبد الله دعا هشام سعيد بن عمرو الحرشي أحد كبار قادته فقال له: بلغني أن الجراح قد أنحاز عن المشركين، فقال سعيد واثقاً: كلا يا أمير المؤمنين، الجراح أعرف بالله من أن ينحاز عن العدو لكنه قتل (?)، وكما أعطى القادة هذه الأمثلة كان الجند لا يقلون حماسه وحمية ورغبة في الشهادة، فقد دخل أحدهم ويدعى أبو ضمرة النضر بن راشد العبدي على امرأته والناس يقتتلون في إحدى معارك - في بلاد ما وراء النهر - فقال لها: كيف أنت إذا أتيت بأبي ضمرة مضرجاً بالدماء؟؟ فشقت جيبها ودعت بالويل، فقال: حسبك، لو أعولت علي كل أنثى لعصيتها شوقاً إلى الحور العين، ورجع فقاتل حتى استشهد رحمه الله (?).