والواقع أن شعار السواد الذي اتخذه العباسيون، إنما يستمد جذوره من ثورة زيد وما حدث لابنه يحي بعد ذلك، فقد اتخذ أهل خراسان

السواد بسببهما (?)، ويبدو أن دعاة الزيدية الذين ثاروا بخراسان ومهدوا للثورة العباسية لم يقوموا بهذا الدور بصفتهم من أتباع زيد، بل كان بوصفهم ثوار على الظلم يريدون دولة تعمل بالكتاب والسنة وتنفذ أحكام القرآن ويقوم على رأسها الرضا من آل البيت (?)

وقد استفاد العباسيون من هذه العواطف والمشاعر التي تفجرت في نفوس الناس بسبب مقتل زيد وابنه ووظفت من خلال التنظيم العباسي من ضمن الوقود المحرك للناس ضد الأمويين.

سابعاً: ثورة البربر في الشمال الأفريقي:

تكرر الظلم والتعسف أيام إمارة عبيد الله بن الحبحاب والذي تولى إمارة إفريقية 116 هـ واشتد استياء البربر المسلمين من هذه الأفعال القبيحة ورأوا التناقض الصارخ بين تعاليم الإسلام وبين سلوك هؤلاء العمال، وأصبحت عندهم قابلية للتمرد في الوقت الذي فشت فيه النزعة الخارجية في إفريقية والمغرب، ونادى أصحابها بشعارات خارجية، ظاهرها فيه بعض الحق وباطنها ينطوي على شر عظيم، كالمساواة بين المسلمين ووجوب الخروج على الحكام الظلمة وغيرها، فصادف ذلك هوى في نفوس البربر، وتحمس كثير منهم لما نادى به دعاة الخوارج، إلا أنهم لم يعلنوا التمرد والعصيان إلا بعد أن يئسوا من إمكانية تبليغ صوتهم بالشكوى إلى الخليفة، ذلك ما ذكره الطبري حيث قال: فما زال - بربر إفريقية من أسمع أهل البلدان وأطوعهم إلى زمن هشام بن عبد الملك .. فلما دب إليهم دعاة العراق واستشاروهم شقوا عصاهم وفرقوا بينهم إلى اليوم (?). وكان من سبب تفريقهم أنهم ردوا على أهل الأهواء فقالوا: إنا لا نخالف الأئمة، بمّا تجبي العمال، ولا نحمل ذلك عليهم. فقالوا: لهم: إنما يعمل هؤلاء بأمر أولئك، فقالوا لهم: لا نقبل ذلك حتى نبورهم - أي نختبرهم - فخرج مسيرة المظفري زعيم الصفرية في بضعة عشر إنساناً حتى قدم على هشام فطلبوا الأذن فصعب عليهم، فأتوا الأبرش وزير هشام بن عبد الملك فقالوا: أبلغ أمير المؤمنين أن أميرنا يغزو بنا وبجنده فإذا أصاب نفلهم دوننا. وقال تقدموا وآخرّ جنده فقلنا: تقدموا فإنه ازدياد في الأجر ومثلكم كفى اخوانه ...

ثم إنهم عمدوا إلى ما شيتنا فجعلوا يبقرونها على السخال يطلبون الفراء الأبيض لأمير المؤمنين فاحتملنا ذلك، ثم إنهم ساومونا. أن يأخذوا كل جميلة من بناتنا فقلنا: لم نجد هذا في كتاب ولا سنة ونحن مسلمون فأحببنا أن نعلم عن رأي أمير المؤمنين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015