الصخرة ليحول بين أهل الشام والعراق وبين الحج إلى الكعبة وأنه أراد أن يلبس عمله هذا ثوباً دينياً، فوضع له صديقه الزهري حديث لا تشد الرحال: .. إلخ. فهذا لعمري عجب من أعاجيب الافتراء والتحريف والتلاعب بحقائق التاريخ (?) وقد فنّد هذا الزيف الدكتور مصطفى السباعي في كتابه السنة ومكانتها في التشريع فقال:
- إن المؤرخين الثقات لم يختلفوا في أن الذي بنى القبة (قبة الصخرة) هو الوليد بن عبد الملك، هكذا ذكر ابن عساكر والطبري وابن الأثير وابن خلدون وابن كثير وغيرهم، ولم نجدهم ذكروا رواية واحدة نسبة بنائها إلى عبد الملك ولا شك أن بناءها - كما يزعم جولد شهير - لتكون بمثابة الكعبة يحج الناس إليها بدلاً من الكعبة، حادث من أكبر الحوادث وأهمها في تاريخ الإسلام والمسلمين، فلا يعقل أن يمر عليه هؤلاء المؤرخون الكرام، وقد جرت عاداتهم أن يدونوا ما هو أقل من ذلك خطراً أو أهمية، كتدوينهم وفاة العلماء وتولي القضاء وغير ذلكن فلو كان عبد الملك هو الذي بناها لذكروها، ولكنا نراهم ذكروا بناءها في تاريخ الوليد، وهؤلاء مؤرخون أثبات في كتابة التاريخ نعم جاء في كتاب الحيوان للدميري نقلاً عن ابن خلكان: أن عبد الملك هو الذي بنى القبة وعبارته هكذا: بناها عبد الملك وكان الناس يقفون عندها يوم عرفة (?). وقد تحدثت عن ما قاله اليعقوبي عن هذا الموضوع في حديثي عن عبد الملك بن مروان.
- إن نص الحادثة كما ساقها جولد تسهير بينّت البطلان لأن بناء شيء ليحج الناس إليه كفر صريح، فكيف يقدم عبد الملك عليه على أن خصومه طعنوا فيه بأشياء كثيرة ولم نجدهم اتهموه بالكفر، لا شنعوا عليه ببناء القبة، ولو كان الأمر ثابتاً لجعلوها في أول ما يشهرون به.
- إن الزهري ولد - كما قدمنا - سنة إحدى وخمسين أو ثمان ومقتل عبد الله بن الزبير كان سنة ثلاث وسبعين، فيكون عمر الزهري حينذاك على الرواية الأولى اثنين وعشرين عاماً، وعلى الثانية خمسة عشر، فهل من المعقول أن يكون الزهري في تلك السن ذائع الصيت عند الأمة الإسلامية بحيث تتلقى منه بالقبول حديثاً موضوعاً فيه للحج إلى القبة بدلاً عن الكعبة؟
- إن نصوص التاريخ قاطعة بأن الزهري في عهد ابن الزبير لم يكن يعرف عبد الملك ولا رآه بعد، فالذهبي يذكر لنا أن الزهري وفد لأول مرة على عبد الملك في حدود ثمانين وابن عساكر روى أن ذلك كان سنة اثنتين وثمانين، فمعرفة الزهري لعبد الملك لأول مرة إنما كانت بعد قتل ابن الزبير، ثم نصحه أن يطلب العلم من دور الأنصار، انظر كيف يكذب هذا المستشرق وبزعم بأن الزهري أجاب رغبة صديقه عبد الملك فوضع له حديث بيت المقدس ليحج الناس إلى القبة في عهد ابن الزبير؟