جلس ثم قال: يا أبا بكر من تولى كبره منهم؟ أليس علي بن أبي طالب؟ قال: فقلت في نفسي: ماذا أقول؟ لئن قلت: لا، خشيت أن ألقي منه شراً، ولئن قلت نعم، لقد جئت بأمر عظيم، قلت في نفسي: لقد عودني الله على الصدق خيراً، قلت: لا، فضرب بقضيبه على السرير ثم قال: فمن؟ فمن؟ حتى ردد ذلك مراراً، قلت: لكن عبد الله بن أبي (?). وعلق ابن حجر قائلاً: وكأن بعض من لا خير فيه من الناصبة تقرب إلى بني أمية بهذه الكذبة فحرفوا قول عائشة إلى غير وجهه، لعلمهم بانحرافهم عن علي، فظنوا صحتها، حتى بين الزهري للوليد أن الحق خلاف ذلك، فجزاه الله خيراً (?)، كما رويت قصة مشابهة في عهد هشام، تذكر أن سليمان بن يسار دخل على هشام بن عبد الملك فقال يا سليمان: من الذي تولى كبره منهم؟ قال: عبد الله بن أبي سلول، قال: كذبت هو علي، قال: أمير المؤمنين أعلم بما يقول، فدخل الزهري، فقال: يا ابن شهاب من الذي تولى كبره؟ فقال: هو عبد الله بن أبي، قال هشام كذبت، هو علي، فقال أنا أكذب، لا أبا لك، فوالله لو نادى مناد من السماء إن الله أحل الكذب ما كذبت، حدثني سعيد وعروة وعبيد الله، وعلقمة بن وقاص، عن عائشة: أن الذي تولى كبره عبد الله بن أبي فقال له هشام: أرحل، فوالله ما كان ينبغي لنا أن نحمل عن مثلك فقال: ولم؟ أنا اغتصبتك على نفسي أو أنت اغتصبتني على نفسي؟ فخل عني فقال هشام لا، ولكنك استدنت ألفي ألف، فقال الزهري: قد علمت وأبوك قبلك، أني ما أستدنت هذا المال عليك ولا على أبيك، فقال هشام نحن هيجنا الشيخ فأمر هشام فقضى عنه ألف ألف، فأخبر بذلك، فقال: الحمد لله الذي هذا هو من عنده (?).
والمجال في ذكر مواقف الزهري التي توضح قوته في الحق وعدم مداهنته يطول، وما أحسن ما قاله الذهبي حين قال: بعض من لا يعتد به لم يأخذ عن الزهري، لكونه كان مداخلاً للخلفاء ولئن فعل ذلك فهو الثبت الحجة، وأين مثل
الزهري (?) رحمه الله.
إن نفراً ممن لم يستطيعوا التخلص من الهوى والتجرد من التعصب المذهبي، حملوا - علاقة الزهري بالأمويين - على محامل سيئة وأولوها تأويلات باطلة وكان في مقدمة هؤلاء: اليعقوبي وابن أبي الحديد والممقاني وغيرهم ممن يرى رأيهم ويذهب مذهبهم وقد تلقف تلك - الآباطيل والأكاذيب والمفتريات بعض المستشرقين أمثال المستشرق اليهودي - جولد تسهير المعروف بحقده المرير وتحامله الشديد على الإسلام وأهله، وأضاف إليها من