لمن أعطاك، ودنوت ممن لم يرد على أحد حقاً، ولا يرد باطلاً حين أدناك، وأجبت من أراد التدليس بدعائه إياك حين دعاك جعلوك قطباً تدور رحى باطلهم عليك، وجسراً يعبرون بك إلى بلائهم، وسلماً إلى ضلالتهم، وداعياً إلى غيهم، سالكاً سبيلهم، يدخلون بك الشك على العلماء ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم، فلم يبلغ أخص وزرائهم، ولا أقوى أعوانهم لهم إلا ما دون ما بلغت من إصلاح فسادهم، واختلاف الخاصة والعامة إليهم، فما أيسر ما عمروا لك، في جنب ما خربوا عليك، وما أقل ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك، فانظر لنفسك فإنه لا ينظر لها غيرك (?). ويجدر أن نقف وقفه قصيرة مع هذه الانتقادات الموجهة للزهري، فأما عمرو بن عبيد فلا يقبل قدحه لأنه صاحب بدعة اتهمه أهل الجرح والتعديل بالكذب وضعفوه لبدعته حيث يعد من أصحاب الاعتزال (?)، وحيث إن المعتزلة لا يرون شرعية خلافة بني أمية فتبعاً لذلك لن يرضوا عن من يصاحبهم (?).

وأما مكحول وأبو حازم فالأمر بينهم وبين الزهري لا يعدو كونه خلافاً محصوراً في أمر قابل للاجتهاد ولم يتعد الخلاف جوانب أخرى، فقد كان مكحول رغم خلافه هذا مع الزهري يجل الزهري ويقدره، فقال أبو بكر أبي مريم: قلت لمكحول من أعلم الناس؟ قال: ابن شهاب، قلت: ثم من؟ قال: ابن شهاب؛ قلت: ثم من؟ قال ابن شهاب (?). وهذا شأن أهل الفقه في التعامل مع مخالفيهم. وأما ما كان يخشاه أبو حازم وغيره على العلماء من مخالطتهم للخلفاء والأمراء من المجاراة والمداهنة التي تضر العالم في دينه والسلطان في ديناه وأخراه فإنه كان للزهري من قوة الشخصية، والشعور بالمسؤولية وتقديره لفقه المصالح والمفاسد ما جعله بعيداً عن الوقوع في هذا المحذور فقد كان للزهري. مواقف تدل على ذلك منها ما رواه البخاري أن الزهري

قال: قال لي الوليد بن عبد الملك، أبلغك أن علياً كان فيمن قذف عائشة؟ قلت لا، ولكن قد أخبرني رجلان من قومك - أبو سلمه بن عبد الرحمن، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث - أن عائشة - رضي الله عنها - قالت لهما: كان علي مسلماً في شأنها. وفي تعليق ابن حجر على الحديث نقل رواية عن ابن مردويه عن الزهري قال: كنت عند الوليد بن عبد الملك ليلة من الليالي وهو يقرأ سورة النور مستلقيا، فلما بلغ هذه الآية " إن الذين جاءو بالإفك عصبة

منكم " (النور، آية: 11) حتى بلغ " والذي تولى كبره "

طور بواسطة نورين ميديا © 2015