وغيره يتخوفون من مغبة تولية الخلافة، فروي أن مكحولاً - رحمة الله - كان يقول: اللهم لا تبقني بعد هشام (?)، ولعله قال ذلك بسبب توقعه الفتنة بتولي الوليد، وأما الزهري فرأى أن تسليم الوليد قيادة الأمة أمر فيه خطر وضرر لابد من دفعه، وهذا منوط بالخليفة الذي تحمل أمانة ولاية أمر الأمة ووجب عليه النصح لها، ومن أعظم النصح أن يستخلف عليها من تبرأ الذمة بتوليته، لذا عندما تخوف هشام من خلع الوليد لأن ذلك نقضاً للعهد أخذه أخوه يزيد عليه، بتوليه ابنه من بعده قال له الزهري: اخلع الوليد، فإن من الوفاء بعهد الله خلعك إياه (?). ومما يخفف من خطورة خلع الوليد من ولاية العهد وجود الخليفة على رأس الأمر فيستطيع وفي يده القوة للقضاء على ما قد يترتب على ذلك من مخاطر، أما إذا ترك الأمر حتى يستسلم الوليد الخلافة وتنتقل إليه القوة فإن من الصعب عزله، بل سيترتب على ذلك من الأضرار أضعاف ما يترتب على خلعه من ولاية العهد، وهذا ما حدث بالفعل، وهو ما دعا الحافظ بن كثير حين تحدث عن حياة الوليد يقول: فعزم عمه على خلعه من الخلافة - وليته فعل - وقال بلفظ آخر: وليت ذلك تم (?)

ومما سبق يتضح أن حث الزهري هشاماً على خلع الوليد بن يزيد كان حرصاً منه على مصلحة الأمة، وأداءً لنصيحة إمامه الذي وثق به وقربه، ولم يبال بما قد يترتب على موقفه هذا من أذى متوقع من الوليد إذ الخوف من الله مقدم على الخوف من غيره، ومصلحة الأمة مقدمة على مصلحة النفس (?).

ج- انتقاد بعض الناس لقرب الزهري من بني أمية:

تعرض الزهري إلى انتقاد بسبب قربه من بني أمية، فممن انتقده العالم الجليل مكحول الدمشقي، فقد قال عنه: أي رجل هو لولا أنه أفسد نفسه بصحبة الملوك (?)، ومنهم عمرو بن عبيد، ومنهم عمرو بن عبيد، فعن عمر بن رديح قال: كنت مع ابن شهاب الزهري نمشي، فرآني عمرو بن عبيد فلقيني بعد فقال: مالك: مالك ولمنديل الأمراء؟ يعني ابن

شهاب (?)، ويعد الإمام أبو حازم سليمان بن دينار من أشد من انتقد الزهري حيث كتب إليه رسالة مطولة، ومما جاء فيها: .. وأعلم أن أدني ما أرتكبت وأعظم ما احتقبت (?)، أن آنست الظالم وسهلت له طريق الغي بدنوك حين أدنيت، وإجابتك حين دعيت، فيما أخلقك أن ينوه باسمك إذا مع الجرمة، وأن تسأل عما أردت بإغضاك عن ظلم الظلمة، إنك أخذت ما ليس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015