وهذا ما دعا الذهبي حين وصف سياسته أن يقول فيه: ... فيه ظلم مع عدل (?). وكان العلماء ينصحون هشام ويتحدثون معه وإليك بعض هذه المواقف.
دخل عطاء بن أبي رباح مجلس هشام بن عبد الملك وعنده أشراف الناس يتحدثون، فسكتوا، فقال له هشام: ما حاجتك يا أبا محمد؟ قال: يا أمير المؤمنين أهل الحرمين أهل الله، وجيران رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم أعطياتهم وأرزاقهم لسنة. ثم قال: هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، أهل الحجاز وأهل نجد أصل العرب وقيادة الإسلام تردفيهم فضول صدقاتهم. قال: نعم، اكتب يا غلام بأن ترد فيهم فضول صدقاتهم. هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين: أهل الثغور يرمون من وراء بيضتكم، ويقاتلون عدوكم قد أجريتم لهم أرزاقاً تدرها عليهم، فإنهم إن يهلكوا غزيتم، قال: نعم، أكتب أرزاقهم إليهم يا غلام. هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين أهل ذمتكم لا تجيب صغارهم
وتتعتع (?) كبارهم، ولا يكلفون مالاً يطيقون، فإنما تجبونه معونة لكم على عدوكم قال: نعم اكتب يا غلام بأن لا يحملوا مالا يطيقون: هل من حاجة غيرها؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، اتق الله في نفسك (?). وجاء في رواية: اتق الله في نفسك، فإنك وحدك وتموت وحدك وتحشر وحدك، وتحاسب وحدك لا والله ما معك ممن ترى أحد (?).
روي أن خالد بن صفوان بن الأهتم قدم على هشام بن عبد الملك وقد خرج متبديا بأهله وقرابته وحشمه وخدمه، وذلك في وقت الربيع حيث أخذت الأرض زخرفها، وزينت بألوان النبات، وتعطر الجو برواح الزهور الزكية، وضرب له معسكر فرش بأفخر الفرش وأخذ الناس فيه مجالسهم، فأخذ خالد بن صفوان ينظر هنا وهناك فنظر إليه هشام نظر المستنطق له، فقال
خالد: أتم الله عليك يا أمير المؤمنين نعمة سوغكها لشكره، وجعل ما قلدك من هذا الأمر رشداً، وعاقبة ما تؤول إليه حمداً أخلصه لك بالتقى وكثره لديك بالنماء لا كدر عليك منه ما صفى، ولا خالط سروره الردى فقد أصبحت للمسلمين ثقةً وملجأ إليك يفزعون في مظالمهم، وإليك يلجؤون في أمورهم، وما أحد يا أمير المؤمنين - جعلني الله فداك - شيئاً هو أبلغ