وضع رحمه الله كذا وكذا، فقال له المنصور: قم عليك وعليه لعنة الله، تطأ بساطي وتترحم على عدوي، فقام الرجل وهو يقول وهو مولٍ: إن نعم عدوك لقلادة في عنقي لا ينزعها إلاَّ غاسلي، فقال له المنصور: أرجع يا شيخ فرجع فقال: أشهد أنك نهيض حر وغراس شريف، عُد إلى حديثك، فعاد الشيخ إلى حديثه حتى إذا فرغ دعى له بمال فأخذه وقال: والله يا أمير المؤمنين مابي إليه من حاجة، ولقد مات عني من كنت في ذكره آنفاً فما أحوجني إلى وقوف بباب أحد ولولا جلالة عز أمير المؤمنين وإيثار طاعته ما لبست لأحد بعده نعمة، فقال له المنصور مت إذا شئت لله أبوك، فلو لم يكن لقومك غيرك كنت قد أبقيت لهم مجداً مخلداً (?).
عن إبراهيم بن أبي عَبْلة قال: أراد هشام أن يوليني خراج مصر فأبيت، فغضب حتى اختلج وجهه، وكان في عينيه حول، فنظر إلي نظر منكر، وقال: لتلينَّ طائعاً، أولتلينَّ مكرها، فأمسكت عن الكلام حتى سكن غضبه فقلت: يا أمير المؤمنين أتكلم؟ قال نعم، قلت: إن الله قال في كتابه العزيز " إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها "
(الأحزاب، آية: 72). فوالله يا أمير المؤمنين ما غضب عليهن إذ أبين، ولا أكرههن إذ كرهن وما أنا بحقيق أن تغضب عليّ إذ أبيت، وتكرهني إذا كرهت، فضحك وأعفاني (?).
كان هشام بن عبد الملك يكره تقبيل اليد، حكي العتبي، قال: دخل رجل على هشام بن عبد الملك فقبل يده، فقال أفّ (?) إن العرب ما قبلت الأيدي إلا هلوعاً، ولا فعلته العجم إلا
خضوعاً (?).
لما مات طاووس من كيسان لم يتهيأ إخراج جنازته لكثرة الناس حتى وجه إليهم أمير مكة بالحرس، وقد حرص هشام بن عبد الملك على تشييع جنازته بنفسه، وكان عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي يضع سرير طاووس على كاهله حتى سقطت قلنسوته على رأسه ومزق رداؤه من خلفه (?).