في شيء من المبالغة والتهويل (?)
وبتفحص الروايات عن شخصية يزيد وسياسته يتبين أن الاختلاف بين شخصيتي يزيد وسلفه عمر هو الذي كان وراء الاختلاف بين سياسة الرجلين، فقد غلب على عمر الوازع الديني، فاتسمت سياسته بالروح الإسلامية، مما دفعه إلى تطبيق السياسة الإسلامية على نظم الحكم، كما فاقه عمر من حيث القدرة والكفاءة الإدارية، والحضور الدائم والانصراف إلى العمل وتحمل المسئولية (?)، والحق أن يزيد لم يدع الأمور تجرئ بلا ضابط أو لغيره، فلم يكن بالبعيد عن إدارة دفة الحكم، فسنجده وراء الكثير من الأحداث يعالجها ويوجهها ويخطط لها، لكنه لم يعط كل جهده ووقته واهتمامه لشؤون دولته كما كان يفعل سلفه عمر، ومع ذلك فقد حرص على بقاء دولته مهابة مصونة في الداخل والخارج، ونجح في ذلك بإخماد كل الحركات الداخلية التي حدثت في زمنه وصد القوى الخارجية الطامعة في حدود دولته وإن كان قد اتخذ في سبيل تحقيق ذلك سياسات تخالف نهج سلفه عمر (?). قال ابن تغري بردي: غير أنه لما ولي الخلافة يزيد بعد عمر بن عبد العزيز غير غالب ما كان قرره عمر. وقال: ثم عزل جماعة من العمال، فلم يقل غير كل ما قرره عمر أو عزل جميع عماله، ويبدو جلياً أن الخليفة يزيد لم يكن يملك الرؤية البعيدة، ولم يعمل وفق استراتيجية مرسومة (?)،
كما يظهر أنه لم يحط بظروف دولته بعد حركة الفتوح الكبرى التي تمت في عهد أسلافه، وأهمية استيعاب الدولة للمتغيرات التي تعيشها من جراء دخول أجناس ومذاهب مختلفة متباينة، كان على الدولة صهرها في جسم الأمة ونشر الدين الإسلامي بينها، وهذا ما لمسه عمر وسعى إليه، إلا أن الخليفة يزيد لم يدرك ذلك فعاد إلى سياسة من سبق عمر من خلفاء بني أمية، وذلك عن طريق العودة إلى تنشيط حركة الفتوح، وضرب المعارضة بكل قوة، وإهمال الإصلاح الداخلي، وعدم الاهتمام بصهر القوى الجديدة في أمة الإسلام، وتطبيق الأحكام الإسلامية عليهم، وللحق أن سياسة يزيد لم تكمن وراء الوهن الذي أصاب دولة بني أمية، لكنه بعدم إدراكه ما تحتاجه الدولة في تلك المرحلة من إصلاح وما تعيشه من متغيرات، استمر في سياسة أسلافه قبل عمر، وأدار ظهره للكثير مماضعه عمر، فاستمر الوهن في عهده، وجرت بعض سياساته الدولة نحو هاوية الانهيار، وإن كان هذا الوهن والتدهور لم يظهر جلياً في زمنه، بل استطاع الإبقاء على حدود دولته مصونة، وكيانها موحداً مهاباً، فظل ينخر في جسم الدولة متوارياً، حتى ظهر ذلك متأخراً فيما بعد، (?).