لكن الأمير الجديد لم يكن أقل همة من سلفه فقد سارع إلى إخماد حركتهم، حيث زحف إليهم، فدك حصونهم واقتص من زعمائهم، وقد استسلم أخيلا، وانتقل إلى طليطلة فأقام فيها، ولم يحاول الخروج على المسلمين بعد ذلك واستقرت البلاد داخلياً واستتب الأمن فيها، وساد النظام والعدل في ربوعها (?).

إن تجاوز المسلمين جبال البرتات إلى بلاد الغال، وقد خلفوا وراءهم بعض الخصوم، أوجد مجالاً لهؤلاء المتربصين، في تنظيم حركاتهم والخروج على سلطان الفاتحين، فإن المسلمين وإن تمكنوا من القضاء على حركات بعض هؤلاء كتمرد أهل طركونة بقيادة أخيلا، إلا أن غيرها تمكن من الثبات في ظل غياب قوة المسلمين واحتقار شأن المتمردين، وقد تمثل هذا في حركة بلاي، التي استغلت كثيراً من العوامل لتصبح نواة المقاومة المسيحية للوجود الإسلامي (?).

رابعاً: سياسة يزيد بن عبد الملك الإدارية والمالية:

تولي يزيد بن عبد الملك أمر المسلمين بعد الخليفة عمر بن عبد العزيز فسار بسيرته برهة من الزمن، ثم ترك نهجه واتخذ نهجاً آخر تابع فيه كثيراً من سياسات أسلافه من بني أمية الإدارية والمالية وخالف عمر بن عبد العزيز في بعض تجديداته وإصلاحاته وخاصة في المجال المالي (?) ويرى بعض المؤرخين كأبن الأثير بأن يزيد عمد إلى كل ما ضعه عمر بن عبد العزيز مما لم يوافق هواه فرده ولم يخف شناعة عاجلة ولا إثماً عاجلاً (?)، وعلق عماد الدين خليل على عهد يزيد بن عبد الملك فقال: سنجد يزيد لم يعمد إلى رد كل ما ضعه عمر، مما لم يوافق هواه، وإنما إلى بعضه فحسب، وبرر مقولة ابن الأثير وغيره ممن حذا حذوه، بأن قولهم جاء نتيجة خيبة الأمل التي أصيبوا بها من جراء ما آلت إليه التجربة الكبيرة التي نفذها عمر بن عبد العزيز من انتكاس وواضح أن الذي قاد إلى الانتكاس حقاً لم يكن هدم الخليفة يزيد لبعض جوانب سياسة عمر، بل فقدان الرؤية وضياع الاستراتيجية (?). والصحيح أن يزيد راح ضحية قول ابن الأثير برده كل ما ضعه عمر، وما أورده اليعقوبي من عزله جميع عمال عمر (?)، كما أن مجيئه عقب خلافة عمر جعله متواريا في ضلالها لا يرى، وأن رؤي كان في صورة الخليفة اللاهي المنغمس في الملذات قد شغله عشقه لجاريته جبابه وسلامة عن مباشرة أمور الدولة وشؤون الحكم، وذلك كما صورته كثير من المصادر التي تناولت سيرته الذاتية،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015