قال: إن أولئك الذين تريد قد ذهبوا (?). وأما ما ورد من أن يزيد تخلى عن السير على نهج عمر لأنه شهد له أربعون شيخاً بأن ليس على الملوك حساب ولا عذاب (?)، فهذا ادعاء أوهى من أن يرد عليه فهو يتضمن في طياته الرد على مختلقه، فمن هم الشيوخ الذين شهدوا بذلك الزور؟ ثم أنه يتعلق بأمر من ضروريات الإيمان وبديهياته فأي مسلم مهما بلغ به الجهل مبلغه يعلم أنه يسأل عن أعماله ويجازى عليها. والحديث الصحيح: كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته (?)، مشهور عند عامة المسلمين فضلاً عن خاصتهم في هذه العصور المتأخرة، فكيف بعصر صدر الإسلام، ولكن حقيقة الأمر فيما ذكره ابن كثير قال: فلما ولي يزيد عزم أن يتأسى بعمر بن عبد العزيز، فما تركه قرناء السوء، وحسنوا له الظلم (?).
صورت كتب التاريخ يزيد بن عبد الملك بصورة الخليفة اللاهي عن مصالح دولته لاهثاً خلف جاريته؛ ولما ماتت إحداهما رفض أن يدفنها وظل مقيماً بجوارها حتى جيَّفت، ولما دفنوها عاد ينبشها من جديد (?) وفي أسانيد هذه الروايات غير واحد من المجهولين (?). وقصة يزيد مع جاريتيه في الأصل بسيطة كما يبدو، فهما جاريتان جميلتان ظريفتان مغنيتان شراهما يزيد بعد استخلافه، فملكننا عليه قلبه، خصوصاً حبابة التي كلف بحبها وأشتد طربه لغنائها، فحظيت عنده، فلما ماتت، حزن لموتها وجزع عليها ولم يطل العمر به بعدها حيث مات بعدها بأيام معدودة بالطاعون أو كان مرض السل، وقد أغمض كثيراً من المؤرخين القول بموته مطعوناً أو مسلولاً، وجعلوه كمداً وأسفاً على فقد حبابة، مع أنه من غير المستبعد موته بسبب الطاعون أو السل بل هو الأولى، فكثيراً ما انتشر وباء الطاعون وغيره من الأوبئة في حواضر الشام كدمشق، فكان ذلك من الأسباب التي دعت الخلفاء الأمويين إلى بناء قصور لهم في بوادي الشام وأريافه (?) إن قصة يزيد مع جاريتيه جاءت في المرويات التي تناولتها مهولة مشوهة، أعتراها كثير من المبالغة والاضطراب والتناقض والزيادة بل والاختلاف، فمنها ما يُشير إلى تلك القصة باتزان ومنها ما شابهه بما لا يقبل ولا يعقل ومنها ما ظهرت في الإساءة والطعن بتحريف أو زيادة، أو اختلاف، فجاءت تلك المرويات تحمل العجب