لا يقبلون غير رأيهم، حتى لو قلنا: المسألة اجتهادية، هي ليست اجتهادية؛ لأنه حديث، لكن ليست واردة بأدلة غير الحديث حتى نجتهد فيها، إنما نجتهد في فهمها، والعجب أنهم لا يكتفون بجرأتهم على الحديث، بل الشيطان يسول لهم ويملي لهم ويزين لهم أنهم يدافعون عن إسلامهم، وأننا الذين نتمسك بهذه الأحاديث نحن الذين نأتي بالاتهام للسنة المطهرة.
إذن، فيه سبق اقتصادي، ليس فيه أمر بضرورة الاستفادة بهذا الأمر، بل كما قلت خلاصته: أنك إذا طابت نفسك باستعماله فعلى الرحب والسعة، وإذا لم تطب من الممكن أن تريقه، لكن في كل الأحوال ليس من المسموح لك أن تعترض على الحديث الذي أجمعت الأمة على تلقيه بالقبول.
أيضًا، قضية أن الحديث يتعارض مع الطب في أن الذباب يحمل الجراثيم، اقرءوا الحديث جيدًا، وليأتِ أحدنا بأي نص أو بأي جملة في الحديث تقول: إن الذباب لا يحمل الجراثيم، هم يحمّلون للحديث؛ لأنهم أصلًا لم ينظروا فيه وفي دراسته، ولم يقرءوا أقوال العلماء، إنما يسارعون بالهجوم من غير تبدر وتأمل وتفكير ورويّة. بل بالعكس، هو يقرّ إن في أحد جناحيه داء، هذا هو الضرر، وهو يدلنا على كيفية اتقاء هذا الضرر بأن نغمسه فيه.
إذن، ليس في نص الحديث أبدًا ما يجعلهم يقولون: إن هذا يتعارض مع الطب؛ لأن الذبابة حاملٌ للجرثومات أو للأمراض، بل أقول: إن هذا الحديث يؤكد هذه الحقيقة؛ لأنه بين لنا أنه يحمل في أحد جناحيه داء، والله -عز وجل- بفضله وبمنه وبكرمه وضع ترياقًا مقابلًا لهذا الداء في الجناح الآخر، وكل المطلوب منك إذا أردت أن تستفيد من هذه المادة التي وقع فيها الذباب، أن تغمسه فيه، ثم تنزعه وتطرحه بعيدًا عن الإناء، ثم استفِدْ بهذا الذي في الإناء إن قبلت وإن أردت.