إذن، الحديث لم يُنكر أن في الذباب جراثيم وبلاء، بل هو يدلنا على اتقاء هذه البلاءات التي في الذباب نفسه، ثم -في فهمي- الحديث يحمل رحمةً من الله تعالى للناس جميعًا، وليس للمسلمين فحسب، كيف؟ الذباب لا نستطيع أن نتقيه، هو يملأ حياتنا، صحيح نقاومه بوسائل متعددة، لكننا لا نقضي عليه تمامًا، يعني هو في حياتنا إن شئنا أو أَبينا، يدخل علينا حجرات نومنا، ويلقي بنفسه على طعامنا ونحن نتناوله، رغم أخذنا بالأسباب الاحتياطية، فالله تعالى من رحمته ومن كرمه ومن فضله ومن إحسانه على هذه الأمة، أنه يعلم بعلمه الكشفي الإحاطي، أنهم لن يستطيعوا أن يدرءوا الذباب عن أنفسهم مهما حاولوا، فأوجد لهم هذه الطريقة التي تدفع ضرر الذباب عنهم.
بما أنك لن تستطيع أن تدفع الذباب فاستعمل هذه الفائدة الإلهية، بأن تطرحه في الإناء إذا وقع فيه، إذا لم يقع فيه فلا مشكلة، أين المشكلة! أما إذا وقع فيه وأردت أن تستفيد به فافعل ما أمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- فالحديث سبق أيضًا، وفضل، وكيف يخفى ذلك.
يقول الشيخ ناصر الألباني -رحمه الله-: والحقيقة أن الحديث لا يخالف الأطباء في ذلك -أي: في أن الذباب يحوي الجراثيم- بل هو يؤيده؛ إذ أخبر أن في أحد جناحيه داء، ولكنه يزيد عليهم -أي: على أهل الطب- وفي الآخر شفاء، فهذا مما لم يحيطوا بعلمه، فوجب عليهم الإيمان به إن كانوا مسلمين، وإلا فالتوقفُ إذا كانوا من غير المسلمين إن كانوا عقلاء؛ لأن العلم الصحيح يشهد بأن عدم العلم بالشيء لا يستلزم عدمه، يعني: أنا لا أعلم أن محمدًا قد سافر، فهذا لا ينفي أنه قد سافر، فالذي ينفي الشيء؛ لأنه لا يعلم به -يقول: هو غير موجود- هو يتصادم مع بدهيات العقول، هو رتّب نتيجةً على مقدمة لا