أقول في الاستدلال الآخر: ما الذي في الحديث من غريب؟
إذا لم تطب نفسك باستعماله فأرِقْه، لكن -كما قلت- لا تعترض على الحديث، بل إني سأنتقل إلى النقطة الأخرى، وأقول: إن في هذا الحديث سبقًا اقتصاديًّا عظيمًا؛ إنه سبق اقتصادي يتناسب مع المجتمعات المتوسطة والفقيرة.
لو أن الذباب وقع مثلًا في إناء من العسل فيه جملة من الكيلوات، لو وقع في إناء من اللبن، لو وقع في إناء من السمن، أنلقي ذلك كله ونرميه؟ نقابل ربنا بأي وجه، وهب أنك ستقول: إنك رجل غني تستطيع أن تعوض ما ألقيته من هذا، فماذا يفعل الفقراء؟
دائمًا أقول: هاتِ أي سيدة من سيداتنا الحريصات على البيوت وعلى المعاش كما نعرفها جميعًا، واطلب إليها إذا وقعت ذبابة في إناء من العسل أو من اللبن أو من السمن أو من غير ذلك مما له قيمة وقل لها: ألقيه في اليم أو في الأرض ولا تستعمليه! ستستغرب ذلك جدًا، وستحاول بفطرتها أيضًا وبعقلها أن تتغلب على ما قد يقال: إنه من الضرر، مثل: أن تدخله النار مثلًا، أن تغليه في النار أو أن تقدحه في السمن حتى تموت الميكروبات، حتى من غير أن ترى أن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء، لكنها بفطرتها بحرصها سيشق عليها جدًّا أن تهدر هذا الأمر الذي يتكلف مع غلاء الزمان الذي نعيش فيه.
أقول: إن هذا الحديث سبق اقتصادي، وتفوق في التجاوب مع الظروف الاقتصادية التي تطرأ، وتصبح هذه الأشياء غالية، مع أننا يمكننا أن نستفيد بها من غير ضرر -بإذن الله رب العالمين-.
وقد لا يروق للبعض هذا الرد -التفوق أو السبق الاقتصادي- أقول: ليس في الحديث إجبار على أن تستعمله، لكن لا تنكر عن الذين تستعملونه، الآفة أنهم