قاموا به؛ لأن الله أراد أن ينصر دينه، وأن يعلي رايته، وأن يصون سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- من أي تحريف، أو تغيير، أو تبديل؛ فهيأ هؤلاء العظام ليقوموا بتمحيص الرواية، ومن بينها الاهتمام الشديد بأحوال النقلة.
وهذا الاهتمام إنما هو أمر شرعي، الله تعالى في القرآن الكريم طلب منا أن نتثبت في الرواية وفي قبولها؛ فقال -عز من قائل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} (الحُجُرات: 6) في قراءة: "فتثبتوا"، فاسق ماذا ننتظر من خبره؟ ربما ترتب على هذا الخبر حرب تقوم، يعني: يصل الأمر بالنسبة للأخبار إلى خطورة شديدة جدًّا كما في هذه الآية وفي سبب نزولها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين} فالآية دلت على أننا نتوقف في قبول خبر الفاسق لفسقه.
وهذا فتح الباب أمام العلماء ليبحثوا عن شروط الراوي الذي تقبل روايته بتفصيلات لا يتسع المقام لذكرها، غير أننا نسجل هنا ما نحن بصدده من أن الاهتمام بأحوال النقلة سَبْق إسلامي لم ولن -لم لنفي الماضي، ولن لنفي المستقبل- لم تسبق الأمة إليه ولن تلحق فيه؛ لأن الباعث أصلًا إليه كان تدينًا، كان الغرض من الجهد الفائق هذا هو صيانة الشرع والحفاظ على السنة؛ لأن السنة أحد مصادر التشريع، أو ثاني مصادر التشريع، ثم إنها تبين القرآن الكريم.
أيضًا العلماء وضعوا قواعدَ مقررة اصطلحوا عليها لدراسة السند والمتن، فهذا جعل تمحيص الروايات خصيصة من خصائص الرواية في الإسلام، يعني: حين نقول هذه الرواية صادقة، أو هذه الرواية كاذبة، أو هذه الرواية مطابقة للواقع، أو مخالفة للواقع؛ فإن ذلك يتم ليس بهوى أنفسنا، وليس بما نتذوقه من الأخبار فنقبل ما يريحنا ونرفض -مثلًا- ما يؤلمنا، أو نقبل ما يوافق هوانا إلى آخره كل