يعني: يكفي عند الإمام الترمذي في سننه وحسنه: ((إذا كذب العبد ابتعد الملك عنه ميلًا من نتن ما جاء به)) والعياذ بالله، يعني: كأن الكذب تنتج عنه رائحة كريهة، تخرج من فم الكاذب، فيتأذى بها الملك الموكل به، فيبتعد عنه بمسافة ميل، والمسافة هنا ليس المراد منها التقدير الدقيق بالمسافة، وإنما المراد أن الملك يشمئز منه، فيبتعد عنه مسافة كبيرة، قد لا يكون التحديد بالميل مقصودًا لذاته، إنما المقصود أنه يشمئز ويتقزز فينصرف بعيدًا عنه؛ لنتن ما جاء به من الكذب.
هذه الأحاديث والأدلة تبين خطورة الكذب، وكما قلت يشتد الأمر إذا كان الكذب متعلقًا بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولذلك كان الاهتمام البالغ بتصحيح الأخبار وتصديقها ومطابقتها إلى الواقع.
أيضًا من خصائص الرواية في الإسلام: البحث عن مطابقتها للواقع من عدمه حتى يتبين صدقها من كذبها، ونحن نعلم أن آفة الأخبار هي رواتها، يعني: الخبر في حد ذاته قولٌ يحتمل الصدق والكذب، محمد سافر هذا خبر، أنت تخبر بأنه قد سافر، فمجرد مضمون الخبر مسائلة عادية، لكن ما يترتب على الصدق والكذب أبني حساباتي على أنه مسافر أو على أنه غير مسافر إلى آخره، وأيضًا هل كلامك هذا مطابق للواقع وللاعتقاد، أو ليس مطابقًا للواقع والاعتقاد؟
إذًا لا بد من مطابقة الرواية مع الواقع حتى نتأكد من صدقها أو من كذبها.
أيضًا عندنا الاهتمام بأحوال النقلة، وهذا أمر هام في الإسلام لم يوجد وأظنه لن يوجد عند أمة من الأمم، أحوال النقلة الذين نقلوا لنا الأخبار، وخصوصًا أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- الاهتمام الذي بذلته الأمة في معرفة أحوالهم لنتأكد من صدقهم في نقل ما أخبرونا به من أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا جهد أكاد أقول بلا مبالغة فوق طاقة البشر، وإنما هيأ الله الطائفة الجليلة العظيمة من العلماء الذين