القصة واضحة أنس بن مالك هو: ابن أم سليم، وأم سليم كانت زوجًا لأبي طلحة -رضي الله تعالى عنه- الأنصاري، يعني نتصور المشهد كأنه جلسة عائلية، أبو طلحة جالس مع بعض أصحابه: أبو عبيدة بن الجراح وأبي بن كعب -رضي الله عن الجميع- يشربون شرابا من فضيخ الفضيخ: يعني هو: البسر نوع من التمر يعني مشدوخ: مفرغ من النوى وصنع خمرا، ومن تمر أيضا، فجاءهم آت في بعض الروايات: ((نادى في المدينة مناد إن الله قد حرم الخمر)) أبو طلحة ورفاقه يشربون كان من الممكن أن يقولوا: قم يا أنس انظر ما الخبر، ومن الذي يقول: إن الخمر قد حرمت، لاحظ أنهم يشربونها؛ لأنها لم تحرم إذن هي لهذه اللحظة حلال، وما كان للصحابة رضوان الله عليهم أن يفعلوا أمرًا قد حرمه الله، إذن هم يشربونها؛ لأنها لم تكن حرمت، وفي جلسة فيها صداقة كان من الممكن أن يقولوا: انظر يا أنس ما الخبر؟ من الذي يقول؟ هل هو ثقة؟ هذا كلام لم يحدث بالمرة، إنما قم يا أنس إلى هذه الجرار أي: جمع جرة الأواني المصنوعة من فخار أو غيره التي يصنعون فيها الخمر، قم يا أنس إلى هذه الجرار فاكسرها، فقمت إلى مهراس لنا يعني: حجر كأنه إناء منقور من وسطه يتوضأ منه، ويدق فيه يقولون في وصفه: هو حجر منقور: مفرغ من وسطه كأنه مثل: الهون الذين يطحنون فيه مثلا الكحل، أو أي مادة يريدون أن يطحنوها هو الآن مصنوع من النحاس أو ما شاكل ذلك، لكن في القديم كان مصنوعًا من الحجارة مفرغ من داخله يدقون فيه ما يريدون أن يدقوه، وقد يضعون فيه ماء؛ ليتوضئوا منه، هذا هو المهراس قام أنس، فأخذ المهراس وضرب الجرار بالمهراس حتى تكسرت.
يعلق الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- على هذه الرواية فيقول: "وهؤلاء أي: أبو طلحة وأبو عبيدة بن الجراح، وأبي بن كعب -رضي الله عنهم جميعا، وهؤلاء في العلم والمكان من النبي -صلى الله عليه وسلم- وتقدم صحبته بالموضع الذي لا ينكره عار".