الاحتمالين على الآخر مع احتمال الرأي الآخر أيضًا، هذا تعريفه، أو ترجيح أحد الاحتمالين أو العمل بالقول الراجح إلى آخر التعريفات التي قالها أهل الأصول.
قلنا: إن الأمة يجب عليها العمل بما غلب على ظنها، هذا مع أننا لم نسلم -نكررها كثيرا؛ لأننا أبناء المدرسة الحديثية، ومادتنا هذه لأبناء التخصص الحديثي- لا نسلم أبدا بأن خبر الآحاد يفيد الظن، ولكن مع التسليم الجدلي مجاراة لمن يقول بذلك نوضح أن الظن في كل الأحوال ليس مذمومًا، يعني هم اعتمدوا مثلا على الآية التي ذكرناها في سورة النجم {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأنْفُسُ} (النجم: 23) {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (النجم: 28) وعلى مثلها من الآيات وعلى حديث: ((إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث)) إلى آخره هناك آيات كثيرة اعتمدت الظن كدرجة من درجات العلم من ذلك مثلا قول الله -تبارك وتعالى-: {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} (البقرة: 249).
وقبل ذلك في سورة البقرة: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ، وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ، الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (البقرة: 44 - 46) وفي سورة المطففين {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ} (المطففين:1 - 4) وفي سورة ص قول الله تبارك وتعالى: {وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} (ص: 24).
إذن هنا الظن كثير من العلماء يقولون أنه استعمل بمعنى: اليقين يعني هو مرادف لليقين بأنه اعتمد على أدلة قطعية، وحتى لو أبقيناه على ظاهره من ترجيح أحد الاحتمالين، فالآيات تدل على أن الظن الراجح الذي اعتمد على القرائن إنما يعمل به {وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} (ص: 24) {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ} إلى آخر ما ذكرنا من الآيات.