المجمل، وتفصيل المجمل لا يقتصر على بيان الأركان فقط، أمور أخرى كثيرة جدًّا في العبادات وفي غير العبادات تتوقف تفصيلاتها على السنة المطهرة.
حين يقول الله تعالى مثلًا: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} (النور: 32) هذا أمرٌ إلهي للأمة كلها، أن ننكح الأيامى أي: الذي لا زوج لهم من الرجال والنساء، نريد أن نطِّبق هذا الأمر الإلهي، فماذا نفعل؟ إذا أراد رجل أن ينكح فماذا عليه أن يفعل؟ ما هي الخطوات العملية؟ بأي شيء تبدأ؟
تأتي السنة لتبين الخطبة، وأنها إعلان رغبة في النكاح، وتضع حدودًا ومعالم لهذه الخطبة: ((لا يخطب الرجل على خطبة أخيه))، وأنه يجوز النظر إلى المخطوبة فقط لتأكيد الرغبة في نكاحها، فإذا وجد في نفسه ما يدعوه إلى نكاحها تقدم إلى وليِّها، وهو بدون عقدٍ أجنبي عنها، إلى آخر الأحكام، لكن السنة بيّنت: كيف تكون الخطبة؟ ما هي حدود العلاقة بين الخاطب ومخطوبته أثناء الخطبة، ما هو العقد؟ ما هو شروطه؟ كيف يصير صحيحًا، أو فاسدًا، أو باطلًا؟ بتفصيلات كثيرة نعرفها في كتب الفقه، وفي كتب السنة.
حين يقول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (البقرة: 275) ما هي صور البيع الحلال؟ وما هي صور الربا الحرام؟ كيف أتحاشى الحرام وأتعامل بالحلال فقط؟ كل ذلك يتوقف فهمه على السنة المطهرة، التي بيَّنت أنواع الربا، ربا النسيئة وربا الفضل، والتي بيّنت أيضًا الأنواع التي يدخل فيها الربا، والتي لا يدخل فيها الربا، الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر ... إلى آخر الأحاديث الواردة في ذلك.
تفصيلات لا حدَّ لها، ماذا أقول: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا} (الأعراف: 31) نريد أن نأكل موافقين لمنهج الشرع، تأتي الأحاديث النبوية: ((يا غلام، سَمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك))، ((ثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه))