هناك غيوب انفرد اللهُ بعلمها، هذا من خلال الأدلة، وهذه تنطبق عليها الآيات التي قرأناها الآن، هو الغيب الذي انفرد بعلمه الله -عز وجل- وإلَّا فأنا عندي أدلة كثيرة على أن الله -عز وجل- أعلمَ الغيبَ لبعض رسله:

أولًا: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} (الجن: 27) أي: لا يطَّلع على غيبه إلا من ارتضى، أي: اصطفى مَن اصطفاه للنبوة، واطّلاعه على الغيب في هذه الحالة ليكون ذلك من الأدلة على صدق نبوته؛ ولذلك وضَّح الله ذلك في حق كثير من الأنبياء، في حق سيدنا يوسف: {قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا} (يوسف: 37) علمه من الله، وهو نفسه أقرّ بهذا.

لكن الآية تدل على أن الله يُطلِع بعض أنبيائه على بعض غيبه، والحكمة في ذلك وراءها كثيرة، نحن لو وقفنا مع قصة سيدنا يوسف والفوائد المستفادة منها كثيرة جدًّا، ويكفي أن الرجلين اللذين صاحباه في السجن علمَا أن عنده قدرة على تأويل الرؤيا وتعبيرها، وعندما خرجَا ونسيَا أنه كان معهما في السجن، وأراد الله أن يكشف ضره رأى الملِك الرؤيا الواردة في سورة يوسف، وتذكَّر الرجل الذي خدم في قصر الملك من كان معه في السجن: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا} (يوسف: 46) إلى آخره. محل الشاهد: {قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا} (يوسف: 37) لو كان بعد أن يأتيهما فلا اطلاعَ على الغيب، لكن قبل أن يأتيكما: {ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي} (يوسف: 37). أنا لم آتِ به من عند نفسي، أنا لم أقل إني أرجُم بالغيب، أو أضرب الودع، كما يفعل الجاهلون، وأن نقول: ذلك لا يكون إلا لنبي، لا يزعم أحد أبدًا: {إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} و {لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} (الجن: 28) يعني: ذكْر بعض الأنبياء لبعض الأمور هذه، ثُم تحدُث

طور بواسطة نورين ميديا © 2015