هنا قاعدة من أهم قواعد الإسلام الطيبة: "ترك مصلحة لخوف مَفْسدة أعظم منها" خشي الرسول -صلى الله عليه وسلم- إذا أخرج أجزاء السحر للناس أن يُشيع ضررًا وشرًّا بين المسلمين، يتذكرون السحر، يحاولون أن يشيعوه أو يتعلموه، أو أن يتكلموا فيه، أو أن يؤذوا فاعلَه الذي فعله وهو لَبِيد بن الأعصم، وهو رغم أنه قد عُلِمَ وعُرِفَ لم يسمح بأن يوجِّه إليه أحد أذى، لأنه اجترأ على مقام النبوة، ربما حَمَلَ ذلك بعض أهله أو المتعصبين له من المنافقين على سحر الناس وأذاهم.
يعني: أبواب البلاء التي كانت من الممكن على ذلك كثيرة حَسَمَهَا النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه حَمدَ الله على أنْ نجَّاه وعافاه، وبالتالي لم يُرِدْ أن يُثير بين الناس فتنة أو يُذيع شرًّا؛ لهذا هو قدَّم درء المفسدة على المصلحة المرجوَّة من إخراجه، وهي هذه القاعدة التي نقولها.
وهنا هذا الأمر عليه أدلة كثيرة، من ذلك قصة بناء الكعبة مثلًا: ((إن قومك حديثو عهد بالإسلام)) والحجر من الكعبة، ونعرف جميعًا الحجر، وحين أعَادَ بناء الكعبة لم يضم إليه الحجر حتى لا يعترض الناس وحتى لا تثور فتنة.
وهذه القاعدة في الحقيقة تستحق كلامًا كثيرًا لكنها من القواعد التي نحتاجها في دعوتنا، في تعاملنا مع الناس، في فقهنا لترتيب الأوليات الواجبة علينا كأفراد، وعلى الأمة في مجموعها العام حين تكون هناك بيئات تحتاج للجهاد فالجهاد يتقدم على غيره من أمهات الفضائل، حين هناك يكون إطعام الطعام، وحين يكون هناك فُرقة أو خلاف، فدرء الخلاف وإغلاق باب الفرقة وسدّ الفتنة هو الأولى، وهكذا هذه الأمور عليها -كما قلت- أدلة كثيرة، وتطبيقاتها العملية مستمرة إلى يوم أن يَرِثَ الله الأرض ومن عليها.
أيضًا لم تذكر الروايات أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد عاقب مَن فعل ذلك به، لا توجد روايات قالت: إنه عاقب لَبِيد بن الأعصم، ولعله -صلى الله عليه وسلم- أخذ بمبدأ العفو