والإحسان وعدم الإجابة على السيئة بمثلها؛ فإن الإجابة على السيئة بمثلها هي درجة أقل من درجة الإيمان: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} (الشورى: 40) {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} (النحل: 126).

ولكن هناك درجات أرقى: أن يكظم الإنسان غيظَه، وكظم الغيظ معناه أنك تتألم لكنك كظمت هذا الغيظ ولم ترُدّ، وهناك العفو، وهو أرقى من كظم الغيظ؛ لأن العفو معناه أنك تجاوزتَ حتى مرحلة الغيظ هذه؛ والألم هذه، فعفوتَ عنه، فزال أثر الألم من نفسك، وهناك درجة أرقى وأرقى، وهو أن تُحْسِن إلى من أساء إليك.

إذن ردّ السيئة بمثلها هذا أمر أثبته القرآن الكريم وأثبتته السنة، لكن الذين يأخذون به عليهم أن يعلموا أنهم يأخذون بأقل درجات الإيمان، الأَوْلَى أن يقدموا الدرجات الأرقى رجاءً فيما عند الله -عز وجل-.

هذا موقف من هذا الحديث عليه أدلة أخرى، يعني: تخيَّلْ مثلًا الذين وقعوا في الإفك، جريمة نكراء، كلمات الدنيا لا تُبيِّن خطورتها، تكلموا في زوج خير خلق الله على الإطلاق، وفي حق بنت خير الله بعد الأنبياء -صلى الله على سيدنا رسول الله، ورضي الله عن أبي بكر رضي الله عنه، وعن سائر الصحابة- ومِن الذين تكلَّموا مِسْطَح بن أَثَاثَة، وهو ابن خالة أبي بكر، حتى كانت تمنعه القرابة أو العصبية للقرابة أن يتكلم، وأبو بكر يُجْرِي عليه نفقته ويتصدق عليه، تخيَّلوا شناعةَ الجريمة، فغضب أو تألم أبو بكر، وأقسم ألا يجري عليه نفقته، فنزل الأمر من الله -تبارك وتعالى-: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (النور: 22).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015