هذا القرآن، بيَّنَ عجزهم عن هذا: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} (الإسراء: 88) ثم نزل التحدي إلى التحدي بعشر سور: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} (هود: 13) افتروا مثله، إذا كان هو ذكيًّا وفطنًا واستطاع أن يفتري، افتروا مثله: {فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} (هود: 13) ثم عجزوا في التحدي، فنزل منهم إلى سورة مثله، ثم إلى سورة ولو مِن مثله، لا يشترط أن تكون مثله تمامًا في الفصاحة والبلاغة.
إذن هم لمَّا تحيَّروا مع القرآن وفصاحته وبلاغته وعجزوا عن الإتيان بمثله، لم يكن أمامهم بدلَ أن يهتدوا وأن يعرفوا أنه ليس كلام البشر، كما جرى على ألسنتهم أحيانًا من غير قصد، حين قال الوليد بن المغيرة: "إن أعلاه لمُثْمِر، وإن أسفله لمُغْدِق، وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة" لكنها لحظات ثم تعود العماية مرة ثانية فيُطَمس على قلوبهم ولا يستجيبون للحق.
هم لمَّا تحيروا مع بلاغة القرآن وفصاحته قالوا: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} (الإسراء: 47) كانوا يقولون عنه: {وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} (ص: 4) السيرة تروي أنهم كانوا يجتمعون في ناديهم ويقولون لأنفسهم: ماذا نقول عن هذا القرآن؟ لقد عرفنا سجع الكهان، وعرفنا كذا وكذا، وما هو من هذا الأمر بشيء أبدًا، ثم يتفقون فيما بينهم على أن يقولوا: إنه سحر، أو يقولوا ما شاءوا.
إذن الخوف من الآية أو من مقولة الكفار خوف لا محل له أبدًا، ولا يرِدُ معنا هنا، الآية في وادٍ والحديث في واحد أيضا.
يقولون: السحر من عمل الشيطان، والشيطان ليس له سلطان على الأنبياء، بل إنه ليس له سلطان على عباد الله المخلصين، الله تعالى يقول: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} (الحجر:42: 43)