أيضًا من الشُّبَه التي أثاروها في هذا الأمر يقولون:

إننا إذا أثبتنا السحر للنبي -صلى الله عليه وسلم- فكأننا أيَّدنا قولَ الظالمين الذين حكى القرآن عليهم في سورة الفرقان: {وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا مَسْ حُورًا} (الفرقان: 8).

الحقيقة: هذا كلام عجيب جدًّا، أولًا: هي دعوى يقولها أعداء كل نبي للنبي، الخصوم يقولونها وردت أيضًا في حق سيدنا موسى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا} (الإسراء: 101) واستعملوها في حق النبي -صلى الله عليه وسلم- كما ذكرنا في سورة الفرقان، وفي سورة الإسراء: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} (الإسراء: 47) أوَكلمَّا قال الأعداء قولًا ننفيه بنفي ما ثبت عندنا من أدلة قوية؟ مع ملاحظة هذا، أن: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} (الإسراء: 47) هذه لا علاقة لها أبدًا بحديث السحر، هذا موضوع مختلف تمامًا، ولا أدري ما هو الرابط بين القولين؟ بل إني أعتقد اعتقادًا جازمًا أن الكفار قالوها وهم يعلمون أنهم كاذبون فيها.

يعني: السياق الذي ظهرت فيه الآيات ومواقفهم التي قرأناها في السيرة وفي غيرها، أنا أثق بأنهم قالوها وهم واثقون من كذبها. القرآن لم يُشِرْ إلى قضية سحر النبي -صلى الله عليه وسلم- من قريب ولا من بعيد، قضية السحر الذي تعرَّض له النبي -صلى الله عليه وسلم- لم تأتِ في القرآن، إنما ذَكَرَ فقط قولهم: {إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} (الإسراء: 47).

لماذا وجَّهوا إليه هذه التهمة؟

هم تحيَّروا في بلاغة القرآن وفصاحته، استمعوا له من النبي -صلى الله عليه وسلم- هم عجزوا عن الإتيان بمثله، وتدرَّجَ القرآن معهم في التحدي، بعد أن كان المطلوب أن يأتوا بمثل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015